ذكرت في مقال السبت الماضي أن وزير الثقافة والتراث البولندي أوضح لنا في ندوة بجريدة الجزيرة الأسبوع الماضي أن بولندا كتبت تاريخاً بحذر ورسخت الروح الوطنية البولندية دون أن تشتبك مع العدوان والاحتلال الألماني والروسي زمن الاتحاد السوفييتي, ولم تتصادم مع الجار أو مع الآخر. العرب كتبوا تاريخهم الحديث وفقاً للمنهجية التاريخية التقليدية التي كانت تكتب تاريخ العالم الإسلامي ويقابلهم تاريخ الأمم الأخرى وهذا تم زمن الخلافة الإسلامية وتمت تحقيب تلك العصور: الخلافة الراشدة، الأموية، العباسية، والسلجوقية، والمملوكية، والعثمانية. ثم تلا ذلك الفترة الاستعمارية الأوروبية. وفترة الاستقلال وحكومات العسكر. الربيع العربي فرض واقعاً جديداً في كتابه التاريخ ليس كونها ثورات فقط وإنما من هو الأصل ومن الفرع من الحاكم والمحكوم، هل هي ثورة الشعوب أو تاريخ من ملك زمام الحكم. وما أقصده كتابة التاريخ السياسي وتغييب التاريخ الحضاري فليست هناك بطولة مطلقة للقيادات السياسية والأحزاب والمنظمات إنما حركة شعبية تمت في أجهزة وأنظمة التواصل الاجتماعي عبر المقاهي وغرف الدردشة المغلقة ثم انتقلت إلى الميادين وشخصياتها أفراد المجتمع بكل تشكلاتهم الاجتماعية والثقافية والمهنية فليس تاريخاً سياسياً راسياً، إنما تاريخ حضاري أفقي تاريخ الناس، لذا تحتاج منا هذه المرحلة تجنيب المجتمع ويلات التاريخ السياسي الذي يطلق أبطالاً ويكتب مجدهم وانتصاراتهم وتتم الإساءة للخصوم والمعارضين والمناوئين. بناء الحضارات والدول ليس من بناها القيادات وإنما سواعد وأفكار وتضحيات الجنود والناس المحاصرين داخل المدن ممن تحملوا الضغوط الشرسة كما هو الآن بالمدن السورية، حيث يقصفون بالصواريخ والقنابل والبراميل المتفجرة، ويحاصرون في المدن والأرياف والقرى ويقطع عنهم الماء والكهرباء والغذاء والوقود ليكون الموت حتمياً عليهم. تاريخ الربيع العربي يختلف عن تاريخ الحقب السابقة التي كان آخرها الاستعمار الأوروبي وحكومات العسكر لذا سنجد نمطاً جديداً من كتابة تاريخ الوطن العربي بأسلوب ولغة ومعطيات مختلفة.