في الندوة التي ألقاها وزير الثقافة والتراث الوطني البولندي بوجدان زدرويفكي في صحيفة «الجزيرة» يوم الأربعاء الماضي بعد جولته على أقسام الجريدة باعتبارها أنموذجا متطورا للعمل الصحفي بالسعودية. في ندوة الوزير البولندي التي أدارها مشكورا الأستاذ خالد المالك رئيس التحرير، جرى حوار شامل عن الثقافة والتراث في بولندا ومستقبل التعاون، وكان ملفتا ما ذكره الوزير عن عدد المتاحف الوطنية والعلمية والتعليمية التي تجاوزت (1500) متحف معظمها موجه للأطفال وطلاب المدارس تركز على الجانب التعليمي وتغذي الأطفال حب الوطن من خلال المادة العلمية التي تقدم في صالات المتاحف، ورغم أن بولندا تعرضت خلال تاريخها الحديث لحروب طاحنة من جارتيها ومحيطها ألمانيا والاتحاد السوفييتي السابق، إلا أنها وحسب قول الوزير المحاضر أن بولندا لم تنطلق من أحقاد عندما شرعت في تعزيز الانتماء والروح الوطنية لأجيالها من الأطفال وطلاب المدارس والجامعات، إنما صاغت تاريخها بشكل حضاري بعيدا عن الأحقاد ونبش الماضي وفتح الجراح، قدمت بولندا كما هي وما تعرضت له من احتلال وانعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قدمتها كتجربة عاشتها أمتهم لا ليعودوا إليها. التاريخ العربي يكتب دائما بصورة انتقامية ونبش الماضي بقصد إثارة الفتن واستمرار الضغائن والأحقاد, لا يكتب التاريخ العربي بروحه الحضارية إنما بأسلوب ومنهجية الكتابة الرأسية أي التاريخ السياسي، لذا فالتاريخ العربي لا يكتب بالنمط الحضاري الأفقي (تاريخ الناس) الذي يجعل من حياة الناس شاهدا حضاريا وهذه من أخطائنا الكبيرة. البولنديون كتبوا تاريخهم بأسلوب حضاري رغم دمويته والاحتلال الطويل من دول توسعية وسياسات عنيفة لكنهم حاول في الوقت نفسه مرروا الروح الوطنية وانتماء الأجيال بسلاسة دون أن يغوصوا في جراحات الماضي، كما أنهم لم ينكروها ويمحوها إنما جعلوها انطلاقة لمستقبلهم. العرب دائما تجدهم غارقين بالماضي, وسجل الماضي يتحكم بمستقبلهم، فالصراعات التي حدثت في العهد الراشد أو الأموي أو العباسي مازالت حاضرة وبقوة، صراع القبائل في قرن الخامس عشر والسادس عشر مازالت تعاد وتستذكرها الأجيال. إذا أراد العرب أن يعيشوا للمستقبل ويتجاوزا الإحباطات عليهم أن يتعاملوا مع الماضي بروح المرحلة التي تنتهي فصولها مع غياب شخصياتها. على العرب بعد ربيعهم العربي أن يكتبوا تاريخهم بطريقة المصالحة والتسامح ودفن الماضي.