انتقد عضو مجلس الشورى الدكتور عبد الله العسكر المنظومة المعرفية والإدارية في المملكة، ووصفها بأنها «لا تشجع على استمرار صعود أجيال أخرى»، مكتفيا بالقول: «إن جيل المؤرخين السعوديين الحالي هو الأخير». وعزا العسكر في ليلة تكريمه في اثنينية عبد المقصود خوجة البارحة الأولى «لجيل المؤرخين تقصيره في مجال النشاطات التاريخية إلى انغماسه في لجان علمية وثقافية واجتماعية بسبب محدودية الحرية الفكرية عند تناول قضايا تاريخية». وتطرق العسكر (الأكاديمي والباحث التاريخي) إلى «ثبوت فشل المناهج العلمية التاريخية وغيرها من مناهج تدريسية، في إبعاد الأدلجة عن العلم البحث»، مقترحا «تغيير مسمى التاريخ الإسلامي إلى تاريخ الشعوب الإسلامية»، مشيدا في الوقت نفسه بوحدة تأسيس التاريخ الشفاهي في دارة الملك عبد العزيز. ورأى العسكر «أن الدراسات الاستشراقية فتحت بابا كبيرا جدا لنهضة تاريخية وعلمية في العالم»، معتبرا «أن جيل المؤرخين العرب الذي أتى بعد المستشرقين، كان عالة عليهم». ومضى قائلا: «لا يهمني إن كان هذا المستشرق يعمل في المخابرات أو لدى الحكومة الغربية، يهمني إنتاجه وعمله، لذلك الدراسات الاستشراقية تنقسم إلى قسمين؛ قسم مفيد، وقسم متهلهل ضائع.. أنت أحكم على العمل، ولا تحكم على الشخص». واعتبر أنه «لا خوف على العلم، ولا خوف على الإسلام، ولا خوف على الدراسات الإسلامية من المستشرقين». وردا على مداخلة عن مدى الحاجة إلى عملية فرز وتصنيف التاريخ العربي والإسلامي، قال العسكر: «إذا التصنيف والفرز هو تصحيح بعض الأخطاء الواردة، وإعادة كتابته ليكون مقبولا من الوجهة التاريخية الحديثة، فهذا صحيح، لكن التراكم المعرفي في أقسام التاريخ في العالم العربي أنتج كما هائلا من أطروحات الدكتوراة، لهذا من السهل جدا أن نبدأ تصنيف تاريخنا عبر هذا الكم المعرفي الكبير، لكن كيف نصنفه؟ التصنيف ربما يقودنا إلى قضية زمنية، وعلاقة الزمن بالتاريخ، ولي محاولة متواضعة في هذا الباب، وكتبت كتيب «تحقيب التاريخ الإسلامي»، حيث أعدت تفكيك الحقب التاريخية، وأعدت تصنيفها، لتتسق مع معطيات العصر»، مشيرا إلى «أن تاريخ العالم الآن يقسم التاريخ حضاريا، فمثلا ليس هناك حد فاصل بين سقوط الدولة الأموية وظهور الدولة العباسية، يعني 332ه ليست الحد الفاصل، لأن الجيل الأول من العباسيين هم نتاج الثقافة الأموية، السياسي، والكاتب، والمؤرخ، والطبيب، إذا ما هو البديل؟ البديل هو إعادة تفكيك هذه الحقب، وإعادة تسميتها بناء على معطيات حضارية حديثة، لتتفق مع المعطيات التاريخية والحضارية للشعوب الأخرى». وأبرز العسكر أهمية كتب الرحلات في الجزيرة العربية، «لأن أصحابها نقلوا لنا أفكارا لا يمكن أن نراها بأعيننا لأنها مسلمات، ففيما نحن نظرنا إلى التاريخ الديني أو السياسي في بداية هذا القرن، هم اهتموا بالتاريخ الاجتماعي، والعادات والتقاليد، وكتبوا هذه الرحلات وفق منهج غربي، بمعنى أنهم ربطوا بين هذه المعارف الموجودة بما يشابهها أو بما قبلها أو بعدها خارج الجزيرة العربية، وهذا فتح بابا واسعا للمؤرخ للمقارنة». وفي مستهل ليلة التكريم، توجه عبد المقصود خوجة لحضور الأمسية بالقول: «مع توفر المراجع التاريخية المختلفة إلا أن هناك مصدرا لم يلتفت إليه إلا أخيرا وهو تاريخ ما أهمله التاريخ، وأعني به التاريخ المحفوظ في الصدور، وذكريات الرجال والنساء الذين عاصروا أحداثا معينة، لكن صوتهم لم يصل إلى المؤرخين ليستنبطوا منه ما يؤكد أو يصحح بعض الأحداث». وتحدثت الدكتورة منيرة العكاس عن الدكتور العسكر، فذكرت أن أصدقاءه المقربين يطلقون عليه «قوقل السعودية»؛ لما يتمتع به من قلم رفيع، وفكر ثاقب، وقدرة على نقل الأحداث بصورة مؤثرة للقارئ.