لا يخفي على أي محلل اقتصادي أو سياسي مدى الخطر الذي يشكله شح الموارد على استقرار الدول والمجتمعات. فندرة الموارد لا تساهم في غياب الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لدى الشعوب التي تعانيها، بل تمتد إلى أن تضطر تلك الدول والشعوب خوض غمار حروب ونزاعات قد تأكل الأخضر واليابس. ولسنا بعيدين عن حربي الخليج الأولى والثانية والتي اندلعت شرارتها من براميل النفط. فكل الدول تسعى لتحقيق أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية ولو على حساب مآسي الآخرين ومعاناتهم عندما يتعلق الأمر بمورد مهم للطاقة كما هو حال النفط. لكن لك أن تتخيل لو طالت ذراع شح الموارد وندرتها مواردنا المائية والغذائية في هذا الكوكب, كيف أن نتخيل مدى زعزعة السلم الاجتماعي والدولي والإقليمي في حال تعرضت منطقة أو إقليم أو دولة لشح في المياه، وبالتالي الغذاء حيث يرتبط هذا الأخير ارتباطا وثيقاً بها. فقد عاش أسلافنا قبل 200 عام بدون النفط كمصدر للطاقة لكن لم يأت على الإنسان في حقبة من حقبه الزمنية، وفي أي عصور أنه استغنى عن المياه أصل الحياة والغذاء قوت البدن. فالماء والغذاء إحدى الحاجات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها أو التفاوض بخصوصها وعقد التسويات من خلالها. هناك دول كثيرة لا تمتلك نفطا كتايلاند وسنغافورا لكن صادراتها الصناعية قد تتجاوز حجم الصادرات النفطية لبعض دول أوبك, لكن لا تستطيع تلك الدول إلا التعاطي مع مشكلة المياه والأمن الغذائي. أوضح تقرير صدر عن منظمة الأممالمتحدة أن نصف سكان العالم سيعيشون في مناطق تعاني من أزمة شح المياه وأن الطلب العالمي على المياه الجديدة يزيد بواقع 64 مليون متر مكعب سنوياً، بينما معظم دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط بلغت بالفعل أقصى حدود الإمداد بالمياه العذبة , هذا إذا وضعنا في عين الاعتبار حجم الانفجار السكاني الذي تعانيه الدول النامية مما يرفع الطلب وأسعار المياه وبالتالي أسعار الغذاء، ويحدث النمو السكاني في الدول النامية التي تقع في مناطق مصادر المياه فيها شحيحة. وللأسف, فبدل أن تكون أزمة المياه المرتقبة سبباً في رجوع الدول لبعضها والتنسيق فيما بينها وعقد الاتفاقيات المتبادلة ورسم السياسات الطويلة الأمد , اصبحت أزمة المياه وسيلة للتوترات والنزاعات وممارسة الضغوط السياسية. فمنذ فترة طويلة كان هناك توترات ما بين العراق وتركيا. ونزاعات ما بين دول مصب نهر النيل ومنبعه , كينيا , اثيوبيا , مصر , والسودان . بالإضافة للأزمات في جنوب شرق آسيا بين الهند وباكستان والصين . تشير التقارير الإحصائية أن الإنفاق العالمي على التسلح يفوق بعشر مرات الإنفاق على موارد المياه وتقنيات الزراعة . فإذا علمنا أن الإنفاق العالمي على التسلح قد وصل حدود تريليونين دولار , نصيب الولاياتالمتحدة منها 45 % , وإذا علمنا أن تطوير البنية التحتية للمياه العذبة والمياه الصالحة للزراعة لتلبية الطلب المتزايد حتى العام 2030 يستلزم فقط 1.5% من إجمالي الناتج العالمي وهو في الواقع ربع الإنفاق العسكري , كما تقدر تقارير الأممالمتحدة أن 30% من جملة النفقات العالمية في مجال البحوث والتنمية يصرف في مجال التسلح والأنشطة الخاصة بالمعدات العسكرية، فإذا علمنا كل هذا , أدركنا خطورة السياسات التي تنتهجها الدول حيال هذه الأزمة . ليس هذا فحسب بل أن الدول بدأت تتجه اتجاه أكثر خطورة يتمثل في الاستثمار في مجال الوقود الحيوي حيث تتطلب زراعة القمح وقصب السكر اللذان يستخرجان منهما الإيثانول كميات كبيرة من المياه مما يساهم في المزيد من الاستهلاك غير المبرر والاستنزاف ورفع أسعار المياه بصورة أكثر جموحاً. وحسب البيانات صادرة عن الأممالمتحدة، ستتعرّض الموارد المائية العذبة للاستنزاف لدى ما يربو على نصف عدد الدول في الكرة الأرضية. وشدد تقرير تنمية «المياه العالمي الرابع» المعنون ب»إدارة المياه في ظل عدم اليقين والمخاطر» - نيسان (أبريل) 2012- على أن الصراعات السياسية المتزايدة على الموارد المائية تجعل توافرها في المستقبل عرضة للخطر وتحد من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، إذا لم يتم التصدي لانعدام الأمن المتصل بالمياه والغذاء، ووضع هذه المهمة في طليعة استراتيجيات التنمية. السؤال المهم: هل باستطاعة الدول التخلي او بأقل تقدير تخفيض الإنفاق على التسلح وتوجيه تلك الموارد والعقول والبحوث لتكون ادوات لبث الحياة والبناء بدلا من أن تكون أدوات للهدم والتدمير؟