«سياسات الأمن الغذائي العربي- حالة الركود في اقتصاد عالمي متغير- رؤية للمستقبل» كتاب لسالم النجفي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، يرى مؤلفه أن «الجوع والحرمان ليسا خياراً، إنما هما معطى الدولة الفاشلة وسياساتها»، وهو يتلاقى في هذا التشخيص مع تقديرات التقرير الرابع للأهداف الإنمائية للألفية 2013 (الصادر عن الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية ووزارات الشؤون الاجتماعية العربية) في أن «الحكم السليم هو الحلقة الأساسية المفقودة بين النمو المحَقق والتنمية المنشودة في البلاد العربية». يعالج المؤلف السياسات العربية والمعطيات التي أدت إلى تشويه سيرورة النمو والتنمية في الوطن العربي، وما أسفر عنها من مخاطر انعدام الأمن الغذائي، قارعاً جرس الإنذار بلغة تحذيرية من عدم القدرة على معالجة مسألة الأمن الغذائي العربي بصورة منفردة، نظراً لترابط مختلف الأنشطة الاقتصادية، الداخلي منها بالخارجي، فلا يفصل بين حصيلة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة الغذاء العربي، محملاً «انعدام الشفافية» سبب زيادة الفقر والجوع والحرمان، وبالتالي تراجع الأمن الغذائي، والتنمية البشرية في وطننا العربي. (نال النجفي جائزة أفضل كتاب عام 2010 من مؤسسة الفكر العربي عن كتابه» الأمن الغذائي العربي: مقاربات إلى صناعة الجوع»). في المدخل عرض لحال الأمة العربية وتداعيات سايكس- بيكو على تجزئة الدول العربية وعلى التعاون الاقتصادي بينها، وربط كل قطر على حدة بدول المركز الاستعماري المتقدم صناعياً،(القطن نموذجاً)، وصولاً إلى الأوضاع الراهنة حيث «أصبح العديد من الاقتصادات العربية قائم على الاستيراد والخدمات»، ليتناول الفصل الأول وعنوانه «متضمنات السياسات الاقتصادية الزراعية العربية (الداخلية) واقع هذه السياسات وما آلت إليه، ومنها ضرورة تطوير الموارد الزراعية، وإصلاح القطاع الزراعي، كي لا تبقى هذه الاقتصادات الزراعية في إطار تجزئة موروثة وتابعة، ولأن من نتائج هذا التشوه في بنية وتوزيع الموارد البشرية الزراعية ما يؤدي – وقد أدى - إلى قصور الكفاءة الإنتاجية، وتزايد البطالة وتدهور في الأمن الغذائي، وانخفاض القدرة الشرائية لدى متوسطي ومنخفضي الدخل، وما حملته من مظاهر عنفية في بعض البلدان العربية، وأكدت مدى الترابط بين الأمن الغذائي والأمن القومي (تظاهرات ضد رفع أسعار الخبز)، مما يعني تراجعاً في التنمية البشرية (ذكرت الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية في تقريرها أن كلفة الفجوة الغذائية العربية 27 بليون دولار سنوياً وستصل إلى 44 بليوناً عام 2020). ونظراً إلى ترابط الزراعة بتوافر المياه أو نضوبها، فإن النجفي يأسف أن لا سياسة عربية موحدة لإدارة الموارد المائية، وأن جزءاً من هذا التقييد يعود لعوامل خارجية من دول الجوار الجغرافي (أنهر دجلة والفرات والنيل مثالاً)، مما أوجد «فجوة مائية» انعكست أيضاً في حصول فجوة غذائية، إضافة إلى التصحر (تحتل مصر المرتبة الأولى في زحف التصحر حالياً وتستورد 60 في المئة من احتياجاتها الغذائية في حين يستورد اليمن 95 في المئة من احتياجاته الغذائية!)، والمناخ الجاف وشبه الجاف (حوالى 52 في المئة من الموارد المائية المستخدمة يتسرب خارج أغراضه المستهدفة نتيجة سوء استخدامه وتعرضه للتبخر في الوطن العربي). كما يشير إلى سوء توزيع ما تحقق من نمو اقتصادي عربي، وإلى التباين في نصيب الفرد، وتنامي مركزية الدولة وإنفاقها على التسلح وتضخيم الجهاز الوظيفي والأمني مما أنتج بيروقراطية بليدة، ودولة استبدادية، وتراجع في تطوير المشاريع التنموية، ومنها الزراعة، وبالتالي حصول أزمة أمن غذائي، (يذكر أن 5 دول عربية من أصل 21 دولة من أكبر مستوردي الأسلحة نهاية القرن الماضي)، معتبراً أن أخطر ما تسببته هزيمة حزيران (يونيو) 1967 كان في توجه الأنظمة العربية نحو تبني سياسات ليبرالية واقتصاد السوق. (يقول النجفي إن الدول الريعية النفطية استطاعت معالجة نقص الغذاء من خلال الاستيراد، ومثلها الدول المتوسطة الدخل ولكن على أساس القروض الخارجية، في وقت انعدمت قدرات الدول الأقل نمواً في تدبير أمورها). تغيّر بنيوي ويتناول الفصل الثاني متضمنات السياسات الاقتصادية الزراعية الدولية (الخارجية)، فيشير إلى أن الإشكالية التي واجهت الأمن الغذائي العربي 2006-2008 هي أنها سبقت الأزمة الاقتصادية (2008) ثم رافقتها، فأصبح التأثير متبادلاً، وانعكس ذلك على تزايد ناقصي التغذية والفقراء في العالم العربي «وقد تأتت الأزمة من متغيرات متعددة يتقدمها تباطؤ إنتاج الغذاء واتساع تأثير الجفاف وتعدد دوراته، وتقلبات الظروف البيئية، واستنزاف المخزونات الغذائية والبيئية في كل دولة، ورافق ذلك ارتفاع أسعار المحاصيل، الأمر الذي شكل أعباءً تفوق قدرات الدولة على توفير الواردات من الغذاء، لا سيما في دول مثل السودان (ذكرت الهيئة العربية للإنماء والاستثمار الزراعي أن 40 مليون فدان زراعي يستثمر في السودان من أصل 200 مليون فدان تشكل سلة الوطن العربي الغذائية)، والصومال واليمن وموريتانيا وجيبوتي» (ص121). وفي حين جاء ارتفاع إنتاجية المحاصيل الغذائية في الاقتصادات المتقدمة الليبرالية عبر تطور تكنولوجي متزامن مع تغيرات بنيوية في نمط التكوينات المزرعية وسعاتها الإنتاجية، فأدى إلى نمو وتطور الإنتاج في تلك الدول، فإن ما شهدته العقود الماضية من تغيرات نسبية في بنية الاقتصادات العربية كان لمصلحة قطاع الخدمات، وتراجع في إنتاج الغذاء، ومن بعض أسباب ذلك استشراس الفساد (يشير إلى اتفاقية النفط مقابل الغذاء في العراق مثالاً قبل احتلاله عام 2003). لم تعد لقمة العيش مجرد بيانات استغاثة، فالأممالمتحدة تقدّر أن 870 بليون دولار يهدر ثمن طعام سنوياً، وتعلن الفاو (منظمة الأغذية العالمية) أن الجائعين في العالم قارب بليون نسمة (في اليمن السعيد 10 ملايين جائع)، مما يدمي القلوب ويستثير الأسئلة، فتستجد أسئلتنا (العربية) وتتراكم بدءاً من لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون (سؤال شكيب أرسلان)؟ إلى لماذا استطاعت أوروبا تحقيق وحدتها الاقتصادية وأخفق العرب مع فارق 3 أشهر بين توقيع أوروبا عام 1957 على اتفاقية وحدتها الاقتصادية، وتوقيع العرب على اتفاقية تكاملهم الاقتصادي عام 1957، ولماذا تفاهم الأوروبيون بلغاتهم المتعددة على تسويق وحدتهم هذه، وجبن أهل لغة الضاد الواحدة في ذلك، لا بل أنهم حفروا الخنادق عند حدودهم، ورفعوا جدران الإسمنت النفسي، وتمترسوا خلف أحقاد وأفخاخ تزيد من تذرر الواقع الاجتماعي، وتأكل من أمنه الغذائي، وتالياً من رفاهة واستقرار حاضره ومستقبل أبنائه؟ لماذا تحررت إرادتهم السياسية، ووقعنا نحن في تبعية لم ننته منها بعد؟ ولماذا صدقوا ولم نفعل؟ ولماذا أكثروا من الفعل وأكثرنا من الثرثرة؟! هل نسينا تحذيرات جبران خليل جبران «ويل لأمة تأكل مما لا تنتج...». * صحافية لبنانية