أغلب الظن أن فقراء العالم مشغلون بفقرهم، ولا يعرفون أن الأثرياء الذين يشاركونهم العيش على هذه الأرض قد أضافوا إلى ثرواتهم خلال العام المنقضي (2013م) ما مقداره 524 مليار دولار!!.. وهؤلاء هم من يقفون على هرم الثراء في العالم وليسوا كل الأثرياء، فهناك أضعافهم من الأثرياء الذين لم يرتفع بهم دخلهم إلى مصاف قائمة الأكثر 300 ثري في العالم مع أن دخلهم يصل إلى مئات الملايين من الدولارات، ولذلك يعتبرون أن أحوالهم المالية «مستورة ولله الحمد» لا أكثر! وقد بلغت ثروة أولئك الذين يتربعون على قمة الثراء في العالم 3.7 تريليون دولار، والترليون يساوي ألف مليار، والمليار يساوي ألف مليون، والمليون دولار يساوي 3.750.000 ريال، وعليكم الحساب! من حيث المبدأ، لا مشكلة في أن يكون هناك أغنياء وفقراء في الدنيا.. بل إن ثروة الأغنياء قد تساعد على رفع المستوى المادي للفقراء، وذلك عندما يقوم الأغنياء باستثمار أموالهم في إقامة مشاريع تُوظِّف الناس وتدر عليهم الدخل.. فمن المعروف - اقتصادياً - أن الأثرياء هم الذين لديهم القدرة على الادخار، وأن الادخار هو الخطوة الأولى إلى الاستثمار، وهو ما يُعرف في علم الاقتصاد بارتفاع الميل الحدّي للادخار لدى الأغنياء. لكن المشكلة تكمن في مصادر ثروة الكثير من الأثرياء، فهي تتحقق بسبب بيئة اقتصادية غير عادلة يسودها الاحتكار والممارسات الاقتصادية غير السليمة.. وبسبب هذه البيئة التي تُحْكِم قبضتها على المجتمعات تتدفق الأموال السهلة إلى جيوب الأثرياء، بينما يزداد الفقراء فقراً. في البيئة الاقتصادية العادلة يتنافس الجميع، فتُحقق الكفاءة الاقتصادية، ويستفيد الكل.. وأول ما توفره تلك البيئة هو «المساواة في الفرصة»، فيكون الميدان مفتوحاً للجميع ويحصل كل فرد في المجتمع على ثمار كدّه دون غش أو مزايا مصطنعة. من المؤلم أن الأثرياء في بعض الدول الفقيرة يستثمرون أموالهم خارج بلدانهم، وذلك لأسباب عديدة من ضمنها فساد السلطات الحكومية في تلك البلدان الفقيرة وفساد الأثرياء أنفسهم أحياناً.. ولكن في المحصلة، تُحرم مجتمعاتهم من استثمار تلك الأموال ويتم حقنها في شرايين الاقتصادات الغنية، بينما تظل المجتمعات الفقيرة تعاني من «الأنيميا» الاقتصادية.. ولو تم استثمار تلك الأموال الهاربة إلى الخارج داخل الاقتصادات الفقيرة المحتاجة وفق ترتيب عادل لاستفاد الأثرياء والفقراء على حدٍ سواء.. وقد كانت هذه المشكلة، ولا تزال، ظاهرة بارزة في دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال لا الحصر. اللافت هو أن بعض الأثرياء الذين وردت أسماؤهم في قائمة الأكثر 300 ثري في العالم، قد خسروا هذا العام عدة مليارات من الدولارات دون أن تهتز أوضاعهم المالية، فهم يقفون على جبال متراكمة من المال. أقدار، ولا عزاء للفقراء!