هل تعرفون ماهي (ثاني أكبر مشكلة) يواجهها الفقراء!؟ .. طمع الأغنياء بما في أيديهم.. رغم قلته.. فالفقراء لا يعانون فقط من ضعف الدخل وقلة الحيلة (وهذه مشكلتهم الأولى) بل ومن تنافس رجال الأعمال والمؤسسات الكبرى على مداخيلهم المحدودة؛ ويتم هذا غالبا من خلال مغريات كثيرة تدفع ضعيف الحال الى الاقتراض والتقسيط وشراء مالا يريد.. وفي النهاية يجد أن راتبه الشهري (الضعيف اصلا) يذهب معظمه لتسديد فوائد البنوك أو تقاسيط السيارات أو ثمن بضاعة أغراه تكرارها على شاشة التلفزيون!! ولا يمكن الادعاء أن هذه الظاهرة «محلية» ولا تحدث إلا في السعودية؛ فمن سنن الرأسمالية أن ينفق الفقراء مداخيلهم البسيطة لقاء سلع وخدمات يقدمها الأثرياء اصلاً. وما يؤكد هذه الحقيقة تقرير صدر من البنك الدولي العام الماضي يفيد بأن الأغنياء يزدادون ثراء والفقراد يزدادون فقراً على مستوى العالم كله .. وهذه المعادلة البسيطة يمكن تعميمها وتطبيقها حتى على مستوى الدول والحكومات العالمية؛ فدول الشمال الغني لم تكتف بثرائها واستهلاكها المفرط للموارد الطبيعية، بل تتنافس على إغراق الدول الفقيرة بالسلع والقروض والاستيلاء على مقدراتها الضعيفة أصلا. فبين عامي 1970 و2003 مثلا أقرضت الدول الثرية الدول الفقيرة 3,000,000,000,000 دولار بفوائد مركبة. وبدل ان تساهم هذه الأموال في تطوير وتحسين أوضاع الدول الفقيرة زادت فجوة الدخل بين الطرفين بثلاثة أضعافها لنفس الفترة تقريبا!! .. هذه المأساة ظهرت نتيجة لتراكم الفوائد المركبة للقروض التي تقدمها الدول الغنية (رغم اعترافنا بالدور المشين للمسؤولين الفاسدين في الدول الفقيرة وانعدام الرقابة المالية فيها).. والنتيجة التي نراها اليوم هي ان الناتج القومي لدول الجنوب الفقير (مثل تنزانيا والكونغو وسيراليون) يوجه معظمه لخدمة القروض الغربية بدل توجيهها للتعليم والصحة وتحسين مستوى المعيشة! أما في دول الشمال الغني فيقف خلف المؤسسات والدول المانحة (أفراد وعائلات اقتصادية نافذة) تتراكم في جيوبهم مداخيل الشعوب الفقيرة. وتقدر مؤسسة ميريل لينش المالية ان المصارف الامريكية تدير وحدها 700 مليار دولار من الثروات الخاصة يليها المصارف اليابانية ب 3400 مليار ثم الأوروبية ب 3100 مليار. وفي أمريكا وحدها يوجد 2,5 مليون ثري يتحكمون بثلث ثروة العالم (رغم أن الأمريكان في مجملهم لا يشكلون سوى 5٪ من سكان العالم) ثم أثرياء أوروبا الغربية (ويقدر عددهم ب 2,2 مليون) ممن يتحكمون ب 26٪ من ثروة العالم! هذه الاحتكارات الفردية - للثروات العالمية - تذكرني بكتاب جميل يحذر من عودة العالم الى «عصر الاقطاع» السائد في العصور الوسطى.. والكتاب يدعى (ألف إقطاعي يحكمون العالم) للمفكر السويسري جان زيغلر (الذي عمل لفترة طويلة كمندوب متنقل لبرامج الأممالمتحدة الإنمائية). ويركز زيغلر في كتابه على حقيقة أن ثروات العالم بدأت تتركز في أيدي قلة محدودة من الأثرياء لا يتجاوز عددهم الألف شخص. ومقابل هؤلاء الأثرياء (أو الاقطاعيين الجدد) تتزايد مساحة الفقر بين بلايين الناس في الجنوب - ممن تذهب أموالهم بانتظام الى شركات كبرى يملكها إقطاعيون يحملون جنسية مختلفة ويتحدثون لغة غربية - !.. في الحقيقة؛ كنت أتمنى ادعاء عنوان المقال لنفسي ولكنه ورد كأحد العناوين الفرعية داخل الكتاب.