منذ نهاية ذاك الأسبوع وأنا أعاني من وعكة صحية ألزمتني الفراش والابتعاد عن كل وسائل التواصل الاجتماعي، وفي صباح يوم الأحد بادرتني زوجتي الغالية أم عبيد في إعطائي أدوية محددة بوقت لتناولها، وبدأت تتحاور معي بطريقة غير معهودة بسؤالها لي عن عدد وزراء التربية والتعليم الذين تولوا الوزارة، وحين أجبتها بادرتني بسؤال آخر عن عدد الأحياء منهم والأموات فقلت لها إنهم ثلاثة -رحمهم الله- الذين توفوا ثم بادرتني بسؤال آخر عن آخر مرة قابلت الرشيد فيها، وكيف صحته، فقلت لها منذ عدة أشهر لم أذهب لمجلسه الأسبوعي لتزامنه مع ارتباط عملي منعني هذه الفترة، ولكني شاهدته عبر التلفاز في اجتماع لجائزة الملك خالد الخيرية، ثم بادرتني بصحيفة الجزيرة وصدمت لوقوع الخبر ليس لأن الرشيد لا يموت بل أنا مؤمن بأن كل نفس ذائقة الموت. محمد بن أحمد الرشيد من رجال هذه الدولة المباركة، تولى حقيبة وزارة التربية والتعليم في فترات وزارية متعددة لأنه أحد رجالها المعاصرين، خدمها أستاذاً جامعياً فعميداً لكليتها في جامعة الملك سعود ثم مديراً لمكتب التربية العربي لدول الخليج وقد كان من أبرز ندوات المكتب على الإطلاق ندوة ماذا يريد التربويون من الإعلاميين في فترة إدارته التي أصبحت هي المتكأ لمن أراد أن يكتب عن علاقة التربية بالإعلام. ثم ساهم مع زملائه الآخرين المبدعين في مجلس الشورى الموقر الذي صقل بلا شك خبرة الرشيد التربوية والإدارية ويصبح وزيرا للتربية معطيها من خلاصة تجاربه وأفكاره ورؤاه العلمية والتربوية، جعل التربية والتعليم حديث الناس وهماً من همومهم يتحدثون عنها في كل مكان وزمان. المعرفة لم تكن معرفة شخصية، بل هي واقع العمل والهم المشترك لكوني أحد منسوبي هذه الوزارة في عام 1419ه كلفت بالعمل في الأكاديمية السعودية في موسكو، فأصبح هذا الوزير يدعم الأفكار ويتوصل مع الميدان الخارجي للمدارس السعودية في الخارج ويتابع أنشطتها وبرامجها ويفهم الكثير من المشكلات والصعوبات التي تواجهها ويذلل ويحاور حول أمور كثيرة في قضايا التعليم لأنه يدرك أهمية هذه المدارس في الخارج التي تقدم صورة نموذجية للتعليم السعودي في الداخل، وهي في نفس الوقت تساهم في استقرار الأسر السعودية من خلال تعليم أبنائهم على مناهج سعودية تساهم في الحفاظ على هويتهم وتسهل اندماجهم بعد عودتهم إلى أوطانهم. من مواقف هذا الوزير الإنسانية الكثيرة حينما يتحدث معك باسمك وعينه في اتجاهك ووجهك ويحتفي بك حينما تقابله وتسلم عليه في أي مناسبة عامة أو خاصة، وهذه تندر في كثير من الناس الذين يتولون المناصب الكبيرة فتجد يده بيدك ووجهه إلى غيرك. أما الموقف التربوي الإنساني الذي أرى أنه ساهم في تكريسه للعاملين في الأكاديمية السعودية في موسكو، فقد احتفلت الأكاديمية بمرور عشر سنوات على أمر خادم الحرمين الشريفين بافتتاحها وكان هنا كفكرة برنامج يقوم على الاتصال المباشر من المسؤولين في المملكة مع العاملين والطلاب والطالبات في الأكاديمية خلال وقت الطابور الصباحي بدأ بوزير التربية وتم تنسيق موعد يقوم الوزير بالاتصال الهاتفي نقلت إلى جميع أرجاء الأكاديمية، ليس المهم في السرد هنا حديثه الأبوي والتربوي للمعلمين والمعلمات والطلاب الذين ينتمون إلى أكثر من 35 جنسية لأنه ليس غريباً أن يبدع الرشيد في هذا الجانب، فهو الخبير التربوي المتمرس. الذي بهر الناس جميعاً في ذلك الوقت أنه كيف يقوم وزير ورجل دولة مهم باقتطاع جزء من وقته ويتحدث إلى الطلاب والعاملين في أكاديمية بعيدة عن حواضر العالم الإسلامي وبحكم أن كثيرا من العاملين ينتمون إلى جنسيات مختلفة ودول عدة تحاط بالوزير لديهم هالة المناصب ويصبح من المستحيلات أن يتحدث إلى الناس بهذه العفوية والأبوة الحانية. لقد أعطى الوزير الرشيد في مكالمته بعداً إنسانياً عن الكثير من المسؤولين لدينا في هذا الجانب الذي هو مفقود في كثير من الدول ولم يعرف هؤلاء الناس أن وزراء هذه الدولة ومسؤوليها وحكامها يستقبلون مواطنيها من خلال مواعيد ثابتة يتلقون فيها الشكاوى ومعالجة هموم المواطنين. أما موقفه الآخر فهو اتصاله وسؤاله عن العاملين ودعم البرامج والأنشطة واطمئنانه على سير الأمور التربوية والثقافية للأكاديمية، ولقد تابع واهتم ببرنامج وزيارة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز للأكاديمية أثناء زيارة سموه التاريخية لروسيا الاتحادية، وتعرف معاليه على برنامج زيارة سموه للأكاديمية ودعمها بالأفكار الثرية وبارك لنا في نهاية الزيارة من خلال اتصاله الهاتفي بعد نهاية الزيارة بهاتفه.. ولقد أعطى اتصاله دفعاً معنوياً للعاملين الذين رأوا أن الوزير الإنساني بجانبهم في كل الأحوال. في لقائه السنوي بالموفدين يتحدث لهم عن الصورة المثلى التي تريدها الدولة -وفقها الله- ممثلة في وزارة التربية والتعليم من المعلم الموفد أن يكون عليها وأن يمارس دوراً تربوياً فعالاً ومميزاً.