أمير تبوك يستقبل المستشار للسلامة المرورية بالمنطقة    89 % نمو تراخيص مرافق الضيافة السياحية في 2024    أمير حائل يستقبل رئيس الهيئة العليا للحج والعمرة بجمهورية العراق ووزير الحج والعمرة    بلدية القطيف تنفذ 973 جولة رقابية خلال مارس الماضي لضمان سلامة المستهلك    أمير المدينة يستقبل مدير الأحوال المدينة    رودر فين أتيلين تطلق هويتها التجارية الجديدة للارتقاء بعروضها الإقليمية والعالمية    وزارة التعليم تبدأ بالأحساء لعرض 48 تجربة متميزة في مدارس المملكة    أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لهيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية    مكافحة المخدرات تقبض على شخصين بمنطقة جازان لترويجهما (11.7) كلجم من مادة الحشيش المخدر    "ڤايبز العُلا" يعلن بدء التسجيل في معسكر رواد العُلا للحِرفيين    أمانة الشرقية تبدأ أعمال الصيانة لطريق الظهران – بقيق السبت المقبل    وفد سعودي يستعرض تجربة المملكة في سلامة المنتجات مع المصنعين والمصدرين في سنغافورة    مهرجان كلنا الخفجي يستقطب أكثر من 52 ألف زائر خلال أيامه الاولى    الذهب يرتفع 2% وسط تراجع الدولار ودخول رسوم جمركية أمريكية حيز التنفيذ    "الرياض آرت" يثري المشهد الفني ضمن أسبوع فنّ الرياض    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025    تصعيد الحوثيين لهجماتهم يُهدد الأمن الإقليمي    غوتيريش يؤكد إعاقة إسرائيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة    الفوتوغرافي السعودي محمد محتسب يُتوَّج بلقب ZEUS    وزير الخارجية يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية    في ذهاب نصف نهائي أبطال آسيا 2.. التعاون يهزم الشارقة الإماراتي ويضع قدماً في النهائي    في ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه دورتموند.. وباريس يخشى مفاجآت أستون فيلا    "الفطرية": ولادة خمس غزلان ريم في" الواحة العالمية"    في إنجاز عالمي جديد يضاف لسجل تفوقها.. السعودية تتصدر مؤشر تمكين المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي    "الموارد": "الفرع الافتراضي" خفض الزيارات الحضورية 93 %    السعودية رائدة في مجال المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية    «القمر الدموي».. خسوف كلي يُشاهد من معظم القارات    10 أيام على انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية    الديوان الملكي: وفاة الأمير عبدالله بن مساعد آل عبدالرحمن    وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز التعاون العسكري    شدد على منع امتلاك النووي.. ترامب: محادثات مباشرة بين أمريكا وإيران    هواتف بلا "واتساب" في مايو المقبل    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (2-3)    جازان تودّع شيخ قبيلة النجامية بحزن عميق    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في يومي الصحة والتوحد العالمي    صحيفة الرأي توقّع عقد شراكة مع نادي الثقافة والفنون    هدوء رونالدو وحماس بنزيما.. الهلال في مهب الريح    إنجاز طبي سعودي.. استئصال ورم في الجمجمة بالمنظار    تقلب المزاج.. الوراثة سبب والاتزان النفسي علاج    مسبار يستقر في الفضاء بنجاح    ديربي حائل بشعار الصعود.. العين يلتقي أحد.. الجندل يواجه العدالة    باقي من الماضي والآثار تذكار    سلوكيات بريئة تشكك بالخيانة    6 أندية ترافق الخليج والهدى إلى ربع نهائي كأس اتحاد اليد    بجوائز تتجاوز 24 مليون يورو.. انطلاق "جولة الرياض" ضمن جولات الجياد العربية    NASA تعجز عن إرسال رحلة للمريخ    التصوير بالرنين المغناطيسي يضر الجسم    عودة الذئب الرهيب بعد 10000 عام    الشعور بالجوع يعيد تشكيل الخلايا المناعية    روسيا: مستقبل الحد من الأسلحة النووية.. يعتمد على الثقة    أمير المدينة يلتقي قائد أمن المنشآت    الأهلي المصري يكرر فوزه على الهلال السوداني ويتأهل إلى نصف نهائي «أبطال أفريقيا»    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    أمير منطقة تبوك يستقبل المشرف جامعة فهد بن سلطان وأمين المنطقة    إطلاق اختبارات "نافس" في جميع المدارس الابتدائية والمتوسطة    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مخزون ذاكرة مبتعث سابق

بعد رحلة مضنية بالطيران حطت بنا الطائرة في مطار جون كندي الدولي في نيويورك، كان ذلك في عام 1968م، بدت على وجوهنا معالم الدهشة من العالم الجديد الذي نزلنا بساحته.
أخذنا سيارة أجرة وطلبنا منه أخذنا إلى فندق لنريح أجسادنا من عناء وطول السفر، فأخذنا إلى فندق جميل وسط المدينة، وبكل أسف حاول استغلالنا بطلب أجرة مضاعفة فأخبرنا الاستقبال في بهو الفندق بما حصل، فقال سأستدعى الشرطة، عندها هرب سائق سيارة الأجرة دون أن يأخذ أجرته وترك حقائبنا على رصيف الشارع. أردنا أن نعطي الاستقبال الأجرة فيما لو عاد يطلبها لكن موظف الاستقبال قال إنه لن يعود، فتملكنا الحزن لعدم إعطائه حقه. كان الفندق أشبه بناطحة سحاب في غاية نيويورك الأسمنتية بناطحات سحابها المتلألئة حيث كانت غرفنا في الدور السابع عشر. أذكر أنني كتبت رسالة قصيرة (كرت) أعلم فيه أسرتي بوصولنا للبلاد الشاسعة والعجيبة التي سوف تكون مقر دراستنا لسنوات وسنوات، وسالت أحد العاملين في الفندق أين أضع الكرت فقال ضعه هنا، وأشار إلى ماسورة شفافة مربعة الشكل في بهو الدور الذي نسكن فيه، وعندما أخذ الكرت يهوي بسرعة البرق اعتقدت أنه يسقط على الأرض ولكنه ذهب في لمح البصر إلى حيث المكان المعد لاستقبال البريد في الأدوار ما تحت الأرض، فنال مني العجب ومن أول لحظة في ما مر بنا في دورة مياه المطار وفي المطعم ثم مع صاحب سيارة الأجرة إلى نزولنا في هذا الفندق السامق الارتفاع إلى سهولة ويسر إبداع ما تود بعثه من رسائل. بدأت أستشعر الفرق بين الدول التي تعيش في الماضي وتتغنى بأمجاده، والدول التي لا تعيش في الحاضر فحسب بل وتسابق الزمن للعيش في المستقبل وتسخير كل العقول والطاقات والإمكانات لمستقبل يسير بسرعة نحو التحديث والعصرنة، ولا مكان فيه للنائمين والحالمين والجالسين على قارعة الطريق. تذكرت هذه الأشياء عندما فكر أول رئيس للصندوق السعودي للتنمية د. محسون جلال - عفا الله عنه ورحمه - بتشييد برج الصندوق على طريق الملك فهد قبل عشرات السنين، وقال سوف نكتب تاريخ البدء ونضعه في علبة في مكان تحت المبنى كما يفعل الغربيون، حتى إذا انتهى عمره الافتراضي وجاءت الأجيال القادمة تقرأ ما فعله من شيدوا المشروع، ولم تنفذ الفكرة واقترحت عليه أثناء تشييد المبنى شبكة أنابيب بلاستيكية تمدد في طوابق المبنى، وبكبسة زر تذهب المعاملات من المدير العام لمديري الإدارات بطريقة سليمة وسرية وتعود إليه بهذا الشكل، اختصاراً للوقت وعدم ضياع المعاملات وسريتها ولكن الفكرة لم تر النور، وسررت عندما رأيتها مطبقة في مستشفى دلة، كتب أحدهم مرة في إحدى الصحفالسيارة أن الصندوق أحضر نخلاً من واشنطن لأن النخل كان مكرباً ومشدوداً بحبال حماية من العواصف، وقال آخر إن الفتحات التي في سطح المبنى تمثل الصليب وهي ليست كذلك البتة، بل إن المبنى من جمال تصميه كاد مجلس التعاون أن يأخذه، وعلمت أن أمانة مدينة الرياض تشترط على من سوف يقيم منشأة بجواره عليه أن لا يحجب رؤيته وأن يجاري جمال تصميمه الذي يجمع بين الفنون العربية والإسلامية والأوروبية.
نمنا ليلتنا الأولى في عاصمة الاقتصاد الأولى في العالم الحر، وفي الصباح وبعد تناول إفطار خفيف ليس فيه شيء من الفول والتميس، حثتنا الخطى للذهاب للملحقية الثقافية لتسجيل أسمائنا وليتم توجيهنا إلى مقر دراسة اللغة. قابلنا رجلا نحيلا، وقاره الطول صاحب ابتسامة عريضة وطلة مهيبة، يكسوه الوقار وتعلو محياه المحبة والحنان، عرفنا فيما بعد أنه الأستاذ الفاضل عبد العزيز المنقور - أمد الله في عمره وشفاه - ذلك الشخص الذي كسب ود ومحبة قلوب جميع المبتعثين بلا استثناء، فكان يبذل قصارى جهده لمساعدة وتذليل العقبات أمامهم. ألقى علينا محاضرة عن اللغة الإنجليزية وعن عادات المجتمع الأمريكي وحثنا على الجد والاجتهاد وأن وطننا وحكومتنا ينتظران منا الكثير. وجهنا للدراسة في أحد معاهد اللغة وأذكر أن مما قاله لنا إننا سوف نتخرج - بإذن الله - وما ملكنا ناصية اللغة مائة في المائة وعلينا أن لا نستشعر الأسى. عندما أتممنا دراسة اللغة تفرقنا في الجامعات الأمريكية صغيرها وكبيرها كل حسب رغبته وميوله وتخصصه، حيث كان يوجد في طول البلاد وعرضها قرابة أربعة آلاف جامعة بعضها تكون فيه الدراسة لمدة سنتين، وبعدها يتوقف من يريد الاكتفاء بهذا التحصيل العلمي أو يواصل في جامعة تأخذ بمنهج السنوات الأربع وما فوق.
مضت الأيام والشهور والسنون سريعاً وحانت ساعة الحصاد للكثيرين منا. فمنا من اكتفى بالدرجة الجامعية ومنا من أراد مواصلة السير للحصول على درجة الماجستير أو الماجستير والدكتوراه كل حسب ظروفه. عدت لأرض الوطن بعد الحصول على الشهادة الجامعة وطفقت أطرق الأبواب بحثاً عن عمل، وتم لي ما أردت بعد طول عناء وها أنا ذا اليوم أنتظم في صفوف طويلة من المتقاعدين بعد سنوات من العمل نجتر الذكريات بحلوها ومرها وقسوة غربتها.
قصدت مما سطرت أن يشاطرني غيري ممن يحلو لهم قراءة بعض من ذكريات ما مر بالبعض من الناس عله يجد فيها متعة.. فائدة.. أو موعظة أو طرفة أو ذكرى تماثل ما مر به أو قريباً منه.
ومن الذكريات أنني أثناء إقامتي في الولايات المتحدة الأمريكية دعيت إلى زيارة إحدى الكنائس والاطلاع على ممارستهم شعائرهم الدينية التي يمارسها القلة منهم يوم الأحد، وعند أخذ مكاني معهم رأيت صورة لامرأة على هيئة تمثال يدعون أنها صورة مريم العذراء - حاشاها الله عن ذلك - وصلباناً كثيرة وكبيرة وشموعاً ملونة وكثيرة وقساوسة ورهباناً وأجراساً ونواقيس تدق ودخانا يملأ المكان وتراتيل وإنشادا وإطعاما للمصلين بقطع خبز صغيرة مثل تلك التي توضع في سلطة الفتوش، يضعها الراهب على لسان كل واقف ممن حضروا القداس وهم وقوف بين المقاعد الخشبية وهم بدورهم يجودون بالنقود يضعونها في سلال يمر بها الفتية عليهم، ولعل في هذا شيئا مما ذكره الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (34) سورة التوبة.
ومن ذلك مثلاً أن من يذنب منهم ذنباً كبيراً أو صغيراً يجلس أمام نافذة صغيرة ويستقبله راهب من داخل حجرة، فيسر إلى هذا الراهب بذنبه ويقدم للراهب بعض المال فيمسح عليه ويبارك له أن ذنبه قد غفر، وعليه أن يهنأ ويهدأ باله وتستريح نفسه وكأن شيئاً لم يكن.
حمدت الله على بساطة وجمال ديننا وأننا في نعمة نغبط عليها، وأنه ليس بيننا وبين ربنا وسيطاً، والأهم أن يكون عملنا في سرنا كما هو في علانيتنا خالصاً لوجه الله الكريم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.