الحمد لله رب العالمين القائل {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، والصلاة والسلام على رسول الله القائل عندما سئل: أي الأعمال أحب قال: الصلاة على وقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله. لا يستطيع المرء أن يبوح بكل ما يعانيه ويمر به إلا لأخلص الناس إليه، والوالدان هما المتكأ الذي تستند عليه في بث همومك وأحزانك ومشكلاتك، وخاصة الأم التي بينك وبينها ألفة ومحبة وتحاور دائم منذ أن أصبحت في رحمها حتى ولدتك ثم اعتنت بك. حينما أتذكر والدتي -رحمها الله- وقد مضى على وفاتها عام كامل تذوقت فيه معنى اليتم، عرفت حقيقته، فإن كنت فقدت والدي -رحمه الله- في وقت مبكر من سني عمري إلا أن والدتي -رحمها الله- أنستني ذلك كله فأصبحت حاضنة لي تكمل الأدوار كلها بصحبة أخي صالح وفقه الله. والدتي أراك حينما أنام فأصبح مسروراً للقياك وإن كان طيفا، لقد أضحى مَزارك قريبا على بعد، بعيداً على قرب، فقدت بقربك دعاء كنت أنشده وسؤالاً كنت أرقبه، وقريباً كنت أشاهدةُ، بحضورك كان مشهد أقاربك وأرحامك حاضراً يأنسون بك ويجمعون على حبك وتفقدك لهم وسؤالك الدائم عنهم. عندما أزورك وأسلم عليك في المقبرة أستجمع قواي ويتراءى لي محياك باشاً هاشاً. أتذكر صمتك الدائم إلا بذكر الله، وسؤالك الملح عن وقت الصلاة حتى قبل أن تفارقك الروح لسانك رطباً بذكر الله. أرجو الله جلت قدرته أن يتغمدك ووالدي وجميع المسلمين بواسع رحمته وأن يرزقنا حسن الختام.