أفصح ويليام شكسبير، عبر إحدى شخصيات مسرحية «كوميديا الأخطاء»، عن وجهة نظر هامة في المجال النفسي، ومفادها أن «وقع الأفعال يتضاعف بكلمة سوء واحدة». وصحيح أن الكلمات تزيد من شأن الوقائع – وتتحلّى بنفوذ كبير. ولو أنّ الشاعر أراد إسداء نصيحة إدارية، لحذّرنا حتماً من مساوئ الثرثرة في مكان العمل. والثرثرة عبارة عن كلام تقييمي يتبادله أشخاص حول شخص ثالث يعرفونه، عندما لا يكون حاضراً في المكان. ومع أن اعتبار الثرثرة «عملاً شريراً» قد ينطوي على بعض المبالغة، عمدت أهم ديانات العالم وفلسفاتها على تحريمها علناً على المؤمنين – إلى حدّ اعتبارها من الخطايا في بعض المرات. ويمكن أن يقرأ المرء في سفر اللاويين: «لاَ تَسْعَ فِي الْوِشَايَةِ بَيْنَ شَعْبِكَ». وكذلك، صدرت ملاحظات مشابهة في القرآن. كما ورد في تعاليم كونفوشيوس أن «الثرثرة ونشر الشائعات بمثابة التخلي عن الفضيلة». ويتجلّى الشعور ذاته في كتابات الفلاسفة الرواقيين وفي الكتب الحديثة التي تعلّم الاعتماد على الذات. وتنتشر هذه الفكرة في كل مكان، وذلك لسبب وجيه. لقد فهم الفلاسفة والحكماء القدماء بطريقة فطرية ما يثبته علم النفس الحديث بشكل رسميّ إلى حدّ ما، وهو أن معتقداتنا ليست دوماً راسخة، وأن المرء لا يرسّخها دوماً بأكثر الطرق منطقيةً. فبادئ ذي بدء، وعندما يصادف أحدنا معلومة جديدة، يميل عقلنا تلقائياً إلى اعتبارها صحيحة، والإثباتات كثيرة على ذلك. ولن يقوم متلقي المعلومة بفرزها على أنها خاطئة إلا إن كان لديه تحفيز ووقت كافٍ للتفكير في فحواها. وحتى ذلك الحين، سيحفظها وكأنها صحيحة. ومن الواضح، على هذا الصعيد، أنّ الثرثرة خطيرة. تنجذب عقولنا بشكل اختياري إلى المعلومات التي تدعم معتقدات راسخة من الأساس، وتستبعد المعلومات التي لا تتماشى مع معتقداتنا. وقد تم توثيق هذه الظاهرة -الميل إلى التأكيد- في عدد لا متناه من الدراسات النفسية. وبالتالي، ومع ترسيخ المعتقدات، قد يكون للثرثرة دور خطير في تحديد معالم المفاهيم التي ستظهر في مرحلة لاحقة. ولعلّ الثرثرة توفّر شعوراً آنياً بالمتعة لبعض الأشخاص. ولكنها قد تحوّر أيضاً عقولهم، وبالتالي، تَصوّرَهم للواقع. ومن شأن الثرثرة أن تفكّك شركات ناشئة وتقوّض أخلاقيات الشركات الكبرى. وكان شكسبير ليقول عنها إنها شر مفجع.