يرجع المهندس محمد الماضي؛ الرئيس التنفيذي لشركة سابك؛ فشل بعض المؤسسات الصناعيَّة والماليَّة إلى «إهمالها الاستثمار في الابتكار وعدم تخصيص جزء كافٍ من الميزانية لتطوير نظام ابتكار يتلاءم مع أنشطتها»؛ ويؤكد على أن «تعزيز الابتكار من التحدِّيات الرئيسة التي تواجه الحكومات والمؤسسات ومنظمات التَّعليم العالي». اتفق مع المهندس الماضي فيما ذهب إليه؛ وأزيد؛ أن منظمات التَّعليم العام والعالي يشتركان فيما بينهما في ضعف جانب الابتكار والإبداع في قطاعات الصناعة؛ المال والاستثمار؛ التقنية؛ والحياة بشكل عام. أحسب أن نظام التَّعليم الحكومي بات قاتلاً للإبداع ومُحيدًا لثقافة الابتكار؛ بدأ من بيئة التَّعليم التي لا توفر البنى التحتية القادرة على نشر ثقافة الإبداع والابتكار؛ مرورًا بالمناهج؛ وانتهاء بطرق التَّعليم. عندما أدخلت مادة الحاسب الآلي للتعليم العام تحوَّلت من مادة تطبيقية تعتمد التعامل المباشر مع أجهزة الكومبيوتر؛ إلى مادة نظرية تعتمد الكتاب المدرسي أساسًا لها. كيف لطالب أن يبدع في التعامل مع الكومبيوتر؛ ويتعلم أساسيات الاستخدام والبرمجة دون أن يتوفر له الجهاز الذي يعينه على التطبيق؟!. معضلة مختبرات الكومبيوتر تنطبق على المختبرات العلميَّة؛ التقنيّة؛ اللغويّة؛ والتطبيقيّة الأخرى. تحرص الدول المتقدمة؛ وبعض دول العالم النامي؛ على توزيع أجهزة لوحية على الطلاب والطالبات؛ وضخ استثمارات ماليَّة لتجهيز المختبرات العلميَّة؛ وتبني بحوث الطلاب مهما تضاءلت أهميتها من أجل نشر ثقافة الإبداع والتحفيز على الابتكار في مراحل التَّعليم العام؛ وبما ينمي ملكتهم البحثية قبل التحاقهم بالجامعة. ضعف التَّعليم العام لدينا تسبب في ضخ مخرجات تنقصها ثقافة الإبداع والابتكار؛ ومهارات البحث؛ مما تسبب في ضعف موارد التَّعليم العالي الطلابية؛ التي أكملت المشكلة؛ بدل معالجتها؛ بترسيخها نهج التَّعليم التقليدي؛ حتَّى في الأقسام العلميَّة؛ ما أسهم في ضعف المخرجات النهائية. نحن في حاجة إلى إعادة هيكلة التَّعليم؛ وبما يتوافق مع احتياجات سوق العمل؛ وتقنية القرن الواحد والعشرين؛ ومثل هذا التغيير لا يمكن تركه لمؤسسات التَّعليم التقليدية؛ المُحاطة بسور من البيروقراطية القاتلة. تطوير التَّعليم يحتاج إلى بحوث عالميَّة مستقلة؛ ودراسات متكاملة مرتبطة بمؤسسات اقتصاديَّة قادرة على إحداث التغيير الأمثل في قطاع التَّعليم؛ ويحتاج إلى نشر الجامعات التقنية؛ والمعاهد الحديثة على نطاق؛ وفق إستراتيجية حديثة مرتبطة بالقطاع الخاص؛ وسوق العمل. قد تكون الشركات الصناعيَّة التي تسيطر عليها الدَّوْلة من الخيارات المتاحة. لماذا لا يكون لسابك أو أرامكو دور أكبر في نشر المعاهد التقنية؛ ومراكز البحث؛ والإسهام في تطوير التَّعليم من خلال الدراسات المتخصصة التي تقوم بها شركات خبرة عالميَّة قادرة على إحداث التغيير المتوافق مع متطلبات العصر واحتياجات سوق العمل، والداعم لثقافة الابتكار. أعلم أن الحكومة هي المسؤولة عن القيام بهذا الدور؛ إلا أن تطوير التَّعليم الذي نسمع عنه ولا نراه يوشك أن يقضي على ما تبقى لنا من أمل في إنجازه؛ ما دفعنا إلى الاستنجاد بالشركات العملاقة الأكثر قدرة على البحث والتخطيط الإستراتيجي؛ والابتكار والإبداع؛ والأكثر تمرسًا في التَّعليم الحديث. قد يكون الابتكار «العامل الرئيس لتحقيق ازدهار اقتصادي مستدام» إلا أن ولوج المجتمع بمؤسساته؛ عرين «الابتكار» يتطلب جهودًا مشتركة بين القطاع الحكومي والخاص؛ والمجتمع بشكل عام؛ وهو ما أكَّده المهندس الماضي في كلمته القيمة التي ألقاها أمام المنتدى السنوي الثامن للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات في دبي. هدف الابتكار لا يمكن تحقيقه من خلال الشركات الصناعيَّة بمعزل عن قطاعات التَّعليم؛ وثقافة المجتمع؛ والدعم الحكومي؛ بل هو محصلة لجهود مشتركة ومتجانسة من أطراف مختلفة. قد اختلف مع المهندس محمد الماضي في إغفاله التَّعليم العام قاعدة التَّعليم الأولى؛ وتركيزه على التَّعليم العالي؛ على الرغم من أهميته ومنطقية التركيز عليه لأسباب مرتبطة بالتخصص والتجهيز لسوق العمل؛ إلا أن التَّعليم العام لا يقل أهمية عنه. لا تجد جامعات الدول المتقدِّمة صعوبة في التعامل مع خريجي الثانوية العامَّة؛ حيث يأتونها بعقول منفتحة؛ ومعرفة تطبيقية؛ ومهارات مختلفة؛ تسهل معها عملية التَّعليم المتخصص الذي يمكن أن يكون جسرًا للابتكار والإبداع. أما تعليمنا العالي فربما وجد مشكلة حقيقية في خريجي الثانوية ما يتسبب في إحداث هوة معرفية تفرض على الجامعات بذل مزيد من الوقت لردمها؛ بالسنة التحضيرية؛ والدورات المكثفة ونحو ذلك؛ وهي وإن جهزت الطلاب لتلقي التَّعليم المطلوب؛ فإنَّها تعجز عن تعويضهم الفاقد المهاري والإبداعي الذي تسبب به التَّعليم العام التقليدي القاتل للإبداع والابتكار. ونكمل بإذن الله.