منذ نحو 40 عاماً، عانى صندوق التنمية العقارية و لا يزال من مشكلة وجود نسبة عالية جداً للتعثر بين المقترضين بالرغم من الضمانات المتمثلة في رهن صكوك العقارات لصالح الصندوق و بالرغم من وجود «فوائد سلبية» على هذه القروض لتشجع المقترضين على سرعة سداد أصل القرض فقط كما يعلم الجميع، حيث تشير التقديرات أن نسبة التعثر تجاوزت نسبة 30 بالمئة من إجمالي المبالغ المستحقة و هي بالتأكيد نسبة تعثر مرتفعة بالمقارنة مع أي نسب تعثر أخرى لأي قروض حكومية أو غير حكومية في أي دولة حول العالم. في رأيي، تتركز أهم الأسباب الرئيسية للتعثر في عدة أمور: منها ثقافة المقترضين القائمة على رفض السداد بإعتبار أن قروض الصندوق هي «أموال حكومية»، و منها ثقتهم المطلقة بأن الحكومة لن تقدم على أي إجراء قانوني تجاههم، و منها عدم وجود قوانين تسمح للمقرض بطرد المقترضين المتخلفين عن السداد من العقارات التي يقطنونها، و الأهم طمعهم بالحصول على إعفاءات سداد من الحكومة. بالنسبة للنقطة الأخيرة المتعلقة بالإعفاء فلا أعتقد ذلك و لسبب بسيط و هو أن مجمل المبالغ الممنوحة للمقترضين في الصندوق تتجاوز حالياً 167 مليار ريال و هذا بلا شك رقم كبير جداً يستحيل أن يتم إسقاطه. أما النقطة الأولى المتمثلة في أن قروض الصندوق هي «أموال حكومية» فاسمحوا لي أن أسترسل قليلاً هنا، حيث إن هذه الكلمة المغلوطة تتكرر كثيراً مع صندوق التنمية العقارية أو مع غيره من الجهات الحكومية المقرضة للأفراد و الشركات في المملكة، و الحقيقة أنها «أموال حكومة» نعم لكن المهم أنها «أموال عامة» مملوكة لبيت مال المسلمين المتمثلين بمواطني المملكة العربية السعودية، و بالتالي نستطيع القول إن التخلف في سداد القروض الحكومية يعني التخلف عن حقوق عامة مملوكة لأكثر من 18 مليون نسمة و هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل من يقترض أو يفكر بالاقتراض من أي جهة حكومية أو شبه حكومية. على ذلك، يجب على المقترضين المتخلفين عن سداد القروض الخاصة بصندوق التنمية العقارية أن يعوا حقيقة واضحة وضوح الشمس و هي أن «الأموال الحكومية» هي في واقع الأمر «مال عام» مملوك لبيت مال المسلمين، و بالتالي فإنهم عندما يتخلفون عن سداد هذه القروض المستحقة عليهم (سواء كان القرار باختيارهم أم كانوا مكرهين عليه) فهم في الحقيقة يسرقون «مال عام» بغير وجه حق و هو تصرف محرم باتفاق الفقهاء، و في الختام اسمحوا لي أن أذكركم بحديث الحبيب المصطفى «كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه» حتى تكون الفكرة واضحة تماماً.