نتحدث أحياناً عن اقتصاد المعرفة بتبسط واستسهال عجيب بينما قد يوحي أننا ضمن اقتصادات العالم التي ينطبق عليها هذا المصطلح أو أننا قاب قوسين أو أدني من تحقيق ذلك. واقتصاد المعرفة: هو الاقتصاد الذي يكون فيه إنتاج المعرفة وتوظيفها محركاً أساسياً للتنمية وتكون المعرفة هي المُولِّد الرئيس للثروة وفرص العمل. أي أنه اقتصاد تعتمد عملية الإنتاج فيه على موارد بشرية عالية التأهيل تنتج وتقف على حافة أفضل ما وصل إليه العلم من تقنيات ومعارف في كافة المجالات. وفي مقابل «اقتصاد المعرفة» لنُعرف اقتصاداً آخر ولنسميه مجازاً «اقتصاد اللا معرفة» بوصفه الاقتصاد الذي يكون فيه المحرك الرئيس للتنمية إنتاج الموارد الطبيعية الناضبة التي يتم تصديرها بحد أدنى من القيمة المضافة وتكون مشاركة معظم أفراد المجتمع مقصورة على استهلاك ريع صادرات هذه الموارد الطبيعية دون أن يكون لهم دور يذكر في عملية الإنتاج. والسؤال المهم الآن إلى أي الاقتصادين يمكن أن ينتمي اقتصادنا؟ ليس لدي من شك أن معظمنا سيقول إننا ننتمي إلى الثاني، وأننا أبعد ما نكون من أن يكون مصدر ثروتنا ومحرك تنميتنا إنتاجنا المعرفي، بل قد يكون من غير المقبول حتى مجرد الزعم بأننا في هذا الدرب سائرون. فأهم متطلبات اقتصاد المعرفة هو امتلاك نظام تعليمي عال الكفاءة مخرجاته قادرة على المنافسة عالميا، في حين أن نظامنا التعليمي، ورغم الإنفاق الهائل عليه، يعتبر واحداً من أقل أنظمة التعليم كفاءة في العالم ومخرجاته في تراجع مستمر، وهذا واقع لا يمكن أن ينتج معرفة تخلق ثروة. أيضاً ليس من المقبول الحديث عن اقتصاد المعرفة في اقتصاد يزعم قطاعه الخاص عدم مواءمة مخرجات التعليم لاحتياجاته في حين أن ما يزيد على78% من العمالة التي استقدمها عمالة أمية أو تقرأ وتكتب فقط، وما يزيد على 90% من عمالته الأجنبية تحمل الثانوية فما دون. وهو بهذا الواقع أنسب أن يقول إن مخرجات نظامنا التعليمي، ورغم تدني كفاءتها ومستوى تأهيلها، هي أعلى مما يحتاجه، من ثم لا بد من ترك الباب مشرعاً له لاستقدام أردأ عمالة في العالم كونها أكثر مناسبة لاحتياجاته ونوعية فرص عمل التي يستطيع خلقها. لذا إن كنا نرغب حقيقة في الانتقال من اقتصاد اللا معرفة أو لنقول «اقتصاد الجهل» إلى اقتصاد المعرفة فإن منطلقنا الأول يجب أن يكون تحقيق إصلاح حقيقي في نظامنا التعليمي المتهاوي، وما يرشح عن مشروع تطوير التعليم يظهر اهتماماً بالشكليات وتغييب كامل للتعامل الجاد مع المعضلات الحقيقية التي يعاني منها نظامنا التعليمي، ونحن بالتالي أبعد ما نكون من أن ننجح في إصلاح نظامنا التعليمي المتراجع عاماً بعد آخر. ولكي نجعل اقتصادنا منتجاً للمعرفة فيجب أولا ألا يكون معظم فرص العمل التي يخلقها مناسبة للعمالة الأمية وغير المتعلمة ويجب أن يتحول إلى اقتصاد يخلق في الغالب وظائف تتطلب مهارات وتأهيل عال جدا، وهذا أمر مستحيل ما بقي باب استقدام العمالة الأجنبية مشرعاً لاستقدام العمالة الأجنبية التي تقبل بأجور متدنية والأقل تأهيلا ومهارة في العالم. وإلى أن يتحقق كل ذلك فرجائي أن نقطع كل حديث عن اقتصاد المعرفة فهو موضوع لا يعنينا لا من قريب ولا حتى من بعيد أيضا.