لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار.. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينزل شآبيب الرحمات على فقيد الوطن الكبير الدكتور الحبيب محمد بن أحمد الرشيد وأن يعوّضه الجنة في مقعد صدق عند عزيز مقتدر؛ لقد فقدت بلادنا بفقد أستاذنا الغالي علماً من أعلام التربية والتعليم؛ ورجل دولة من طراز فريد؛ نذر حياته لخدمة العلم وطلابه؛ أخلص لبلاده وقيادته؛ فكان أميناً؛ وفياً؛ باذلاً؛ مقداماً؛ كريماً؛ متواصعاً. مصلحة وحب الوطن تعلو عنده فوق كل المصالح وتترجم ذلك مبادراته وأعماله وتراثه الذي بقي لنا؛ تميز الفقيد في كل مواقع المسؤولية التي مرّ بها بدءًا من جامعة الملك سعود؛ مكتب التربية العربي؛ وزارة التربية. عرف الفقيد بتواضع العلماء؛ وتعامل الحكماء؛ ونبل النبلاء. اتسمت إدارته بالإدارة الإنسانية فتفرد في قيادته بتشجيع وتحفيز العاملين والقرب منهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم؛ ودعم مشاريعهم وأفكارهم العلمية؛ يقف مسانداً وداعماً للمبدعين؛ يأخذ بأيدي المتعثرين لا يحبط أحداً؛ لا ينتقص من مكانة إنسان؛ كان يؤمن بأن التربية والتعليم منطلق تقدم الأمم فلا حياة راقية متطورة للأمة بلا تربية عظيمة؛ فرفع من أول يوم تولى فيه مسؤولية وزارة التربية شعار.. (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة). كان معالي الدكتور الرشيد يؤمن بالتجديد في برامج ومناهج وسياسات التربية والتعليم حتى تصبح قادرة على إحداث التغيير المنتظر في حياة المجتمع وتكون مخرجات التربية أهلاً لقيادة الأمة. لقد شهدتُ بعض من اختلفوا معه في الرأي أثناء وجوده على رأس المسؤولية في وزارة التربية والتعليم يسعون إليه يطلبون منه الصفح والعفو والمسامحة على ظلمهم له بعد ترجله عن كرسي المسؤولية واتضاح حقيقة إخلاصه وأمانته لمن كان يوجه له النقد دونما تروٍ أو توثيق؛ يقبل ذلك ويقابله بكل أريحية ورده الدائم عفا الله عمَّا سلف؛ حدث ذلك أمام عيني في أكثر من عام في شهر رمضان في الحرم المكي الشريف؛ الشهر الذي لم يتخلف عن قضاء بعض من أيامه في مكةالمكرمة منذ جمعنا العمل في عام 1416 حتى عامنا هذا. عملنا معه فأحببناه وأحبنا؛ وتعلمنا منه كيف يكون النجاح وكيف أن زمان العطاء ومكانه لا يتوقف عند حدٍّ.. جزى الله الفقيد عنَّا خير ما يجازي به عباده المؤمنين وعوضنا فيه خير العوض.. العزاء لأبنائه أحمد وإخوانه وأخواته ووالدتهم؛ ولأشقائه د. عبدالله وإخوانه؛ ولأسرة الرشيد كافة؛ ولأسرة التربية والتعليم؛ لكل من أصيب فيه.. سنبكيك أيها الرائد المغادر حياتنا جسمًا؛ الباقي معنا بقيمه العالية وذكراه الفواحة. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.