تحت عنوان (الوجيه الكبير الشيخ حمد التويجري )، نشر الأديب والمؤرِّخ الكبير محمد ناصر العبودي في عدد الجزيرة الغرّاء الصادر يوم الخميس 26-12-1434ه العدد رقم 15008، مقاله القيِّم عن جدي الراحل الشيخ حمد التويجري، الذي تعرّض فيه للمحات تستأهل التوقف أمامها من سيرة الراحل، أحد رجال المؤسِّس الكبار الذين كانوا موضع ثقته، وسواعده المخلصة الأمينة القوية في رحلة تأسيس دولته وبنائها. وأورد الأديب العبودي في مقاله أنّ الشيخ حمد وُلد في بلدة المجمعة عام 1318ه، الأمر الذي خالفه فيه إبراهيم بن حمد بن ناصر التويجري، زاعماً أنّ الشيخ حمد وُلد في بلدة الطرفية بالقصيم عام 1315ه، وفي سنة الصريف عام 1318ه أصيب بالجدري وكان عمره ثلاث سنوات وعاش فيها لحين عودة والده من العراق بعد فتح الرياض. بيْد أنّ الحقيقة التي يؤيدها التاريخ، هي ما ذهب إليها الأديب العبودي الذي كان أقرب إلى التاريخ الحقيقي لمولد جدي الشيخ حمد التويجري الذي تثبت الحفيظة الخاصة به والتي نرفقها مع هذا المقال بوصفها وثيقة رسمية، أنه وُلد عام 1319ه في بلدة المجمعة، وليس في الطرفية كما ذكر إبراهيم التويجري. وقد أمضى الجد حمد طفولته وشبابه في المجمعة، وتلقّى العلم فيها على يد مشايخها الكبار، ومن بينهم الشيخ العنقري، ولم يترك المجمعة إلى بريدة إلاّ عام 1357ه بعدما أمر الملك عبد العزيز بتعيينه رئيس بيت مال المسلمين بالقصيم. وكما ذكر الأديب العبودي فبيت المال آنذاك هو المتصرّف في «كل ما يتعلّق بالمال العام وأهمه الزكوات من زكاة الحبوب والثمار»، وهي الوظيفة التي كان مرجع الشيخ حمد فيها المؤسِّس الملك عبد العزيز شخصياً، يرفع إليه المكاتبات ويتلقّاها منه - طيّب الله ثراه -. وليس غريباً أن يكون الأديب العبودي الأقرب إلى الحقيقة، ففضلاً عن علمه التاريخي الواسع الرصين، كان الأديب العبودي ممن شهدوا الجد الشيخ حمد ومن جلسائه، وقد أخبرني الأديب العبودي شخصياً أنه كان يأخذ بمشورة الجد حمد في أمور كثيرة، يستأنس فيها برأيه وخبرته وتاريخه الطويل في شؤون الدولة، فلم يكن الجد الشيخ حمد - رحمه الله - رئيساً لبيت المال وحسب، بل كان أحد وجهاء القصيم، مسموع الكلمة لدى مسؤوليها، يتفقّد أحوال الناس واحتياجاتهم وما ينفعهم، ويرفع به للمؤسِّس الملك عبد العزيز، أو يتحدث فيه إلى المسؤولين الذين كانوا يستقبلون نصائح الشيخ حمد وآراءه بحب وترحاب. وقد أخبرني الأديب العبودي أنه كان يعتزم تأليف كتاب عن تاريخ الجد الشيخ حمد - رحمه الله -، وعلمت منه حينها أنه كانت تنقصه بعض المعلومات ليشرع في تأليف الكتاب. وحين علم الشيخ العبودي بشأن كتابتي مؤلفاً عن سيرة الجد الشيخ فرح لهذا النبأ، وعدّه إنجازاً مهماً وعملاً لازماً. حتى إنه ذكر ذلك في مقاله المشار إليه بقوله: «وإنه من دواعي سروري أن أرى الأخ (خالد بن عبد المحسن بن حمد التويجري) يكتب عنه كتاباً لأنّ الشيخ حمد جدير بذلك، والتاريخ الناصع لبلادنا يستدعي ذلك فجزاه الله خيراً». لكن الذي يلفت الانتباه حقاً، هو وقوع ابن العم إبراهيم بن حمد بن ناصر التويجري في مثل هذا الخطأ، ففوق أنه مدير مالية المجمعة ويفترض فيه الدقة فهذا تاريخ ، واعتماده على حكايات الكبار المرسلة غير الدقيقة ليس حجة يخطئ بها قامة أدبية وتاريخية في قدر الأديب العبودي، الذي يعلم الجميع مدى تحرّيه الدقة فيما ينقل، فضلاً عن أنه ممن شهدوا الجد الشيخ حمد وتحدثوا إليه وتردّدوا على مجالسه التي كانت تحفل بالعلماء ومن المتحدثين في مجالسه. فضلاً عن أنّ التوقف أمام مسألة تاريخ المولد ومكانه - على خطئهما - شتتا ذهن القارئ عن مواقف رائعة وأثيرة لدى الأديب العبودي، سردها بأسلوبه الشيّق عن الجد الشيخ حمد، وكيف أنه كانت له مواقف مع الأديب العبودي نفسه، ومواقف مع أهالي القصيم، ومنها موقف المعهد العلمي ببريدة الذي أنقذه الشيخ حمد من تشويه واجهته إثر دعوى قضائية قام بها أحدهم. كان مما أورده الأديب العبودي أيضاً عن الجد الشيخ حمد قوله «وقد حدثني سكرتيره أنّ الملك عبد العزيز آل سعود كان يستشيره سرياً في بعض الأمور، وكان الشيخ حمد التويجري يكتب إليه في بعضها ابتداءً فينفذ الملك ما يراه، لأنه يوافق المصلحة العامة للبلاد».وغيرها من المواقف الرائعة للجد حمد وددت الإشارة إليها مجدداً هنا في مقالي هذا، خشية أن يكون ما نشره ابن العم إبراهيم التويجري من أغلاط صرف الذهن عنها وشتت القارئ. توفي الجد الشيخ حمد في بريدة عام 1410ه ودُفن فيها، عن عمر يناهز 99 عاماً، رحمه الله، وجعل جميع ما قدّم لوطنه ومواطنيه في موازين صالحاته.