كل الدلائل تقول إن (القاعدة) لها علاقات وطيدة ومتجذرة بإيران. ربما أن المستويات القيادية الثانية والثالثة والأدنى من التنظيم لا يدركون ذلك، غير أن الحرب السورية الأهلية وضعت النقاط على الحروف، وكشفت هذه العلاقة بشكل جلي؛ فالذين يقاتلون الثوار السوريين، ويسعون إلى إقامة دولة الإمارة الإسلامية، ويصبون وابل نيرانهم على (الجيش الحر)، لا على جيش النظام، هم القاعديون. علاقة القاعدة بإيران قديمة، وليست بواعثها التمويل، بعد أن جفت المصادر التقليدية إثر مقتل ابن لادن، وتولي «أيمن الظواهري» مهمة القيادة. كما يذهب بعض المحللين الأجانب؛ فالعلاقة بدأت وترسخت في حياة ابن لادن نفسه قبل مقتله . وتؤكد الأنباء أن «سعد بن لادن» نفسه وقياديين آخرين معه مازالوا يعيشون حتى الآن في مضيف خاص تابع للحرس الثوري الإيراني في إيران؛ وأن تفجيرات الرياض عام 2003 جاء الأمر بتنفيذها من «سيف العدل» الذي كان يتولى آنذاك مسؤولية القيادة العسكرية للتنظيم في رسالة وكان حينها في إيران، كما أن (صحيفة لوفيغارو) الفرنسية نشرت تقريراً بعنوان (إيران حليف القاعدة بشروط) أكدت فيه نقلا عن حارس زعيم القاعدة: (أن «أسامة بن لادن» أمر مؤيديه مرارا بالامتناع عن مهاجمة عدد من البلدان من ضمنها إيران). موضحا أن إيران تشكل معبرا يستخدمه «المجاهدون» للوصول إلى أفغانستان. ولعل هذا ما يبرر رفض القاعدة القاطع أن تساعد منظمة (جند الله) السنية التي تسعى لانفصال بلوشستان عن إيران. وكانت هذه الجريدة - (جريدة الجزيرة) - قد نشرت قبل فترة عن معسكر لتدريب عناصر تنظيم القاعدة في إيران، يقع بالتحديد بين محافظة طهران وقم على الطريق السريع، شمال شرق مرقد (الخميني) بمسافة (15- 20كم) قرب مقبرة (بهشت زهرا)، في منطقة كثيفة الأشجار جبلية وكان هذا المعسكر يستخدم سابقا لسجن الأسرى العراقيين في زمن الحرب العراقيةالإيرانية. وأغلب المتدربين في المعسكر من جنسيات (مغربية، ليبية، أفغانية، جزائرية، باكستانية). ويتم تدريب تلك العناصر على عمليات التفجير، واستخدام الأسلحة المختلفة، وبإشراف عناصر من الحرس الثوري الإيراني. وتوجد على الطريق المؤدي إلى المعسكر نقاط تفتيش من عناصر الأجهزة الأمينة الإيرانية. ويبدو أن تنظيم القاعدة سينتهي، إلى ما انتهت إليه بعض الحركات الثورية الفلسطينية اليسارية - (تنظيم أبو نضال مثلاً) - فقد تحولت مع الزمن، ومع انغماسها في لعبة أجهزة المخابرات العالمية، إلى أن أصبحت في النهاية (لغماً للإيجار لمن يدفع أكثر)؛ وتراجعت عملياً خدمة الأيديولوجيا التي نشأت عندما نشأت لخدمتها، لتحل محلها خدمة من يمول التنظيم، أياً كانت أهداف هذا الممول. ويبدو أن هذا الاحتمال هو ما تتجه إليه أوضاع الفصائل القاعدية في سوريا.. فقد أعلن الظواهري يوم الجمعة الماضي في تسجيل صوتي عن إلغاء (داعش) من التنظيم، وإبقاء (جبهة النصرة) ممثلا وحيدا للتنظيم؛ هذا الإعلان رفضه أبو بكر البغدادي زعيم (داعش) متحدياً الظواهري. ومصراً على : (أن الدولة باقية في العراق والشام ) كما جاء في بيان نشره رداً على الظواهري؛ ما يجعل النزاع يتجه إلى التصعيد أكثر. واحتمال أن يدخل الفصيلان القاعديان في حرب تصفيات طاحنة بينهما مثل ما حصل للمجاهدين الأفغان في الماضي. ومن المعروف أن المنظمات والحركات المسلحة إذا تشظت، تضعف، وتبدأ في التفكك والتشرذم. وتنتهي في الغالب إلى أن تتحول من خدمة الأيديولوجيا إلى التحالف مع (الشيطان) من أجل أن تبقى بأي ثمن حتى وإن كانت هذه التنازلات تنسف جوهر رسالتها التي كانت تناضل من أجل انتصارها؛ وهذا -على ما يظهر- ما تحث فصائل القاعدة خطاها لتصل إليه. إلى اللقاء