المتتبع لمسيرة تنظيم القاعدة منذ إعلانه العام 1998م، وحتى يومنا هذا، وتحول طبيعته من فصيل جهادي أيام حرب الأفغان للسوفييت المحتلين، إلى تنظيم إرهابي عالمي لا يعرف إلا العنف ولا يؤمن بالحوار، سيلحظ أنه يتبنى إستراتيجية خطيرة في مختلف ممارساته وأماكن تواجده. تلك الإستراتيجية تتجاوز سلوكه في الجانب النظري (التكفير)، والجانب العملي (التفجير) بالنسبة لعملياته الإرهابية، التي طالت أكثر من بلد عربي ومسلم وغربي، وفي مقدمتها المملكة، حيث لم يراع قادة هذا التنظيم، أو أعضاؤه مكانتها في قلوب المسلمين، وأهمية أمنها لكل الأمة الإسلامية، فضلاً عن مكانتها الدولية ودورها الإقليمي. تلك الإستراتيجية هي في خلط أوراق أية قضية عربية أو إسلامية، من خلال تدخل هذا التنظيم عملياً (عسكرياً) في هذه القضية، ليس لأجل الدعم والنصرة والجهاد كما يزعم قادة هذا التنظيم، إنما لتدمير إنسانية هذه القضية من الداخل، وبث كل الشكوك فيمن يتعاطى فيها، وزرع كل أسباب الفرقة بين أطرافها. فكل قضية دخل تنظيم القاعدة على خطها النضالي، تجدها تلقائياً قد تحولت إلى فتنة دموية، تضيع في دخانها المبادئ الصحيحة، وتتمزق على رحاها المطالب العادلة. لهذا صارت مقاومة المحتل - كما في العراق- مجرد عمليات قتل تأخذ في طريقها الأبرياء في الأسواق والمساجد، وأصبحت ثورة الأحرار - كما في سوريا- مجرد اغتيالات وتصفيات دموية بمشاهد مروعة جعلت العالم يرى الثوار مثل نظام بشار. ما يجعل المسلم يستذكر حروب الجاهلية مثل داعس والغبراء، التي عادت بصورة العصر الحديث وتقنياته في أناس يرفعون راية التوحيد، وهم يلطخون نقاءها الرباني بدم الأبرياء والشرفاء، حتى أنك لم تعد تفرق بين (داعس) الجاهلي و(داعش) المعاصر فكلاهما فيه الغبراء الكثير. كانت طالبان حركة جهادية لجمع كلمة مجاهدي أفغانستان بعد اقتتال فصائلهم في التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، فجاء تنظيم القاعدة وجعلها في مواجهة أقوى دولة في العالم، وكانت مقاومة العراق شريفة نقية تتمتع بأخلاقيات الحرب ضد المحتل، فجاء تنظيم القاعدة وحول بوصلة المقاومة إلى فتنة بين السنة وغلاة الشيعة، انتهت إلى تفجير الأبرياء في المساجد والأسواق، والقتل على الهوية. وكانت حركة تحرير مالي الوطنية مشكلة من أطياف مختلفة، فجاء تنظيم القاعدة ودب الخلاف بين هذه الأطياف، التي استيقظت على الحضور الفرنسي العسكري. وكانت الطائفية خامدة بين السلفيين والحوثيين في اليمن فجاء تنظيم القاعدة وجعلها حرباً داخلية وفتنة طائفية ومسرح مكشوف لطائرات الأمريكان بدون طيارين. وكذلك الحال في الصومال وليبيا. واليوم يتكرر السيناريو العراقي في سوريا، فبعد أن حقق الجيش الحر انتصارات وغيّر موازين المعركة لصالح الثوار، جاء تنظيم القاعدة تحت لافتة الدولة الإسلامية في العراق والشام واختصارها (داعش)، فأطل فكر التكفير، ومنطق التفجير، وإعلام المقاطع الشنيعة لذبح الناس كالخراف. فبدأت أوراق الثورة السورية تتشوه بفعل هذا التنظيم الخطير، وتفقد اتزانها بعد أن استولى على مناطق في سوريا وراح يحكمها وفق رؤيته الدينية المتطرفة.