أكد اقتصاديون بأن الذهب يُعتبر ملاذاً آمناً للمستثمرين وقت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرين إلى أن لتوتر الأوضاع السياسية في العالم دور في ارتفاع أسعاره، كون الناس يقبلون على شرائه تجنباً لمخاطر الاستثمار بغيره كالأسهم والسندات أو العملات من المسكوكات الأخرى، وقالوا ل»الجزيرة»: إن الطلب المتزايد على شراء الذهب ساعد على ارتفاع أسعاره بسبب محدودية المعروض منه. وأكد الكاتب والمحلل الإستراتيجي السعودي الدكتور محمد الغيث في حديثه ل»الجزيرة»: بأن الذهب من الملاذات الأكثر أماناً للمستثمرين وقت الأزمات السياسية وغيرها.. ويعود السبب في ذلك إلى أن الذهب كعملة وسبائك وحلي يمتاز بصفات ذاتية لا تتوفر بغيره من المعادن النفيسة والعملات الأخرى ووسائط الاستثمار ذات القيمة كالأسهم والسندات. ومن أبرز تلك الصفات أن الناس بمختلف مشاربهم وعلى مر العصور يثقون بالذهب كملاذ آمن لحفظ ثرواتهم وقت الأزمات، وأن الحكومات لا تتدخل لإلغاء الذهب أو التحكم في قيمة بيعه وشرائه في الأسواق كما تفعل بالنسبة للمعادن والعملات الأخرى المقننة، وأن الكم الموجود من الذهب فوق الأرض وخارج المناجم محدود جداً مقارنة بالعملات الأخرى والمعادن والأوراق ذات القيمة التي يسهل سكها وإصدارها بكميات كبيرة.. ففي عام 2006م كان المتوفر من الذهب في العالم خارج المناجم وفوق سطح الأرض يُقدر ب(156) ألف طن متري, وبحسب المجلس الدولي للذهب فإن إنتاج مناجم الذهب السنوي في العالم هو بحدود (2500) طن متري، يستخدم منه حوالي (2000) طن متري في الحلي والمصنوعات الحرفية والطبية، وحوالي (500) طن متري تستخدم للاستثمار الفردي والاحتياطيات في البنوك المركزية. كما يُقدر المجلس الدولي للذهب أنه في إبريل 2013م كان احتياطي البنوك المركزية من الذهب في العالم يبلغ 31694.8 طن متري، ويخص الولاياتالمتحدةالأمريكية منه 8133.5 طن متري، وهو الأعلى بين دول العالم، والذهب كسبائك وعملات يتم استقباله وشراؤه في أي مكان من العالم لسهولة تذويبه وتشكيله دون أن يفقد قيمته، بالإضافة إلى أن العملة الذهبية لا تسقط بسقوط الدولة التي سكتها وأصدرتها كما يحصل للعملات الورقية، بل تحتفظ بقيمتها كذهب يُباع ويُشترى، ويُعتبر الذهب من أهم وأكثر المعادن النفيسة استخداماً في الحلي عند كافة الشعوب (الهند والصين والولاياتالمتحدةالأمريكية من أكثر الشعوب استخداماً للحلي الذهبية)، وذلك يعزز الطلب على الذهب بشكل يكاد يكون دائماً. وتابع: إن الذهب كسبائك وعملات وحلي كان وسيظل الملاذ الأكثر أماناً للاستثمار في أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأوقات القلاقل والحروب.. وهذه الخاصية للاستثمار الآمن في الذهب وقت الأزمات تنسحب على الأفراد كما تنسحب على الحكومات. وعن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب قال: هناك أسباب كثيرة أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية.. وقبل الحديث عن تلك الأسباب ينبغي التذكير بأمرين: الأمر الأول، أن أسعار الذهب تعرضت فعلاً لارتفاعات عبر السنين، فمثلاً في عام 1970م كان سعر الأونصة من الذهب 37 دولاراً أمريكياً، وفي عام 1975م أصبح 140 دولاراً، وفي عام 1985م أصبح 327 دولاراً، وفي عام 1995م أصبح 387 دولاراً، وفي عام 2010 أصبح 1410 دولارات، وفي تأريخ 22 أغسطس من عام 2011م وصل سعر الأونصة من الذهب 1908 دولارات. ويرى بعض الكتّاب المتخصصين أن سعر الذهب قد يصل في قادم السنين إلى 10000 دولار للأونصة.. والأمر الثاني أن الذهب يسمى بضاعة الأزمات، أي أنه الملاذ الأكثر أماناً للمستثمرين ولحفظ الثروات وقيمتها من المخاطر، حينما تثور الأزمات المالية والنقدية والسياسية وغيرها كالحروب والقلاقل الاجتماعية.. والواقع العملي في مجال أسباب ارتفاع أسعار الذهب يشير إلى عدة حقائق منها ارتباط أسعار الذهب هبوطاً وصعوداً بالتضخم المالي، وارتفاع أسعار النفط، وارتفاع معدلات أسعار الفائدة، وتعثر إنتاج شركات مناجم الذهب بما يؤثر في انخفاض عرض الذهب، والاختلالات في موازين المدفوعات للكثير من الدول.. هذا بالإضافة إلى هبوط سعر الدولار الذي كان مربوطاً بالذهب من بعد الحرب العالمية الثانية حتى شهر أغسطس من عام 1971م، حيث تم فصل الارتباط بين الدولار والذهب، ولم يعد الدولار العملة الرئيسة التي تُقاس بموجبها أسعار تبادل العملات الأخرى.. وبالإضافة لتلك الأسباب المؤدية إلى ارتفاع أسعار الذهب فيما مضى والمدعمة بالواقع العملي المبني على الدراسات الاقتصادية التتبعية تبقى هناك أربعة أسباب رئيسة من المتوقع أن تدفع باتجاه ارتفاع أسعار الذهب في المستقبل المنظور هي: تزايد الأزمات الدولية في العصر الراهن كالحروب والركود الاقتصادي والأزمات المالية والنقدية والإرهاب المحلي والدولي واستمرار كون الذهب هو الملجأ الآمن وشبه الوحيد لحفظ الثروات من الضياع والتآكل حينما تنشأ الأزمات بما يزيد من الطلب عليه، بالإضافة إلى محدودية إنتاج وعرض الذهب وتزايد استخداماته وتوقعات ارتفاع عائد الاستثمار فيه وإقبال البنوك المركزية على شراء الذهب، حيث إنه في عام 2012م اشترت البنوك المركزية ما مقداره (536) طناً مترياً من الذهب. تلك هي أبرز أسباب ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية.. هذا ولا نستبعد عودة الاهتمام الدولي بربط العملات بقاعدة الذهب من جديد لزيادة الثقة بالعملات تعويضاً عن الدور الذي تخلت عنه الولاياتالمتحدةالأمريكية بفك ارتباط عملتها بالذهب بسبب توالي العجز في ميزانياتها وخوفها من فقد المزيد من احتياطاتها من الذهب. هل هذا يعني الحاجة لنظام نقدي بريتوني جديد؟ شخصياً لا أستبعد مثل هذا التوجه خصوصاً أن العالم مقبل على تطورات وتداخلات وتجاذبات مالية واقتصادية سوف يؤدي إليها تنافس جديد وقريب بين ثلاث مجموعات أو كتل اقتصادية دولية ضخمة هي الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن يدورون في فلكها الاقتصادي والتجاري مثل المكسيك وكندا، والصين ومن يدورون (أو سوف يدورون) في فلكها الاقتصادي والتجاري مثل روسيا واليابان وكوريا الجنوبية، ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي ومن يدورون (أو سوف يدورون) في فلكها الاقتصادي والتجاري مثل تركيا وبقية الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق. من جهته قال المحلل والخبير الاقتصادي فيصل الدوخي: تطورات كبيرة تشهدها المنطقة هذه الأيام على الذهب والنفط والعملات وأسواق الأسهم بسبب تأثرها الشديد بأجواء التوترات العسكرية والأزمات السياسية والاقتصادية.. فعند توتر الأوضاع السياسية يلجأ بعض المستثمرين والصناديق إلى الهروب من أسواق الأسهم (التي أثبتت هشاشتها أمام الأزمات) بعد المخاوف من توجيه ضربة عسكرية لسوريا فجعلت المستثمرين يقبلون على شراء الذهب الذي ارتفعت أسعاره وتعزّزت مكانته كملاذ آمن للمستثمرين مقابل تضحيتهم بأسواق المال. ولكي تتضح الصورة أكثر هناك سببان للحركة الكبيرة لأونصة الذهب خلال الأربعة الأشهر الأخيرة الماضية لنعرف مدى تأثّر الذهب بالسياسة الاقتصادية والتوترات العسكرية: هبط الذهب وبقوة من 1564 دولاراً إلى 1321 دولاراً بسبب تصريحات بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي في الولاياتالمتحدة، حيث صرّح عن بداية إعلان انتهاء التيسير الكمي وعن سحب التحفيز وانتهائه بنهاية السنة القادمة، ولكن ما لبث وأن عاد الذهب وارتفاع ليصل إلى 1488 دولاراً كارتداد طبيعي بسبب قوة الهبوط، حيث خسر الذهب 160 دولاراً في يومين بسبب التصريح الآنف الذكر، ثم عاد الذهب وهبط مرة أخرى ليسجل أكبر هبوط فصلي خلال 45 عامًا حيث سجل 1181 دولاراً كأدنى مستوى له خلال 3 سنوات والآن سعر أونصة الذهب (لحظة إعداد التقرير) 1405 دولارات، وهذا الارتداد والعودة للصعود من جديد له أسبابه منها: وصول الذهب للقاع التصحيحي تمثّل فيبوناتشي 61.8% عند 1174 دولاراً من القيمة التاريخية 1921 دولاراً حيث ارتد الذهب بالقرب منها، وأيضاً بسبب الأزمة السورية وهي الضاغط الأكبر لهذا الصعود بفعل المخاوف من توجيه ضربة عسكرية لسوريا مما كان له الأثر على بقاء الذهب فوق حاجز ال 1400 دولار، وأصبح بعيداً عن القاع التصحيحي ، فلو قدّر الله وتم كسر هذا القاع لهبط الذهب إلى ما دون 1000 دولار، إذاً عرفنا مما سبق أنّ الأزمات السياسية لها تأثيرها الإيجابي على أسعار الذهب كما حصل وقت اقتحام الثوار الليبيين باب العزيزية بطرابلس وإحكام السيطرة عليها، حيث صعد الذهب قبل شهرين من اقتحام باب العزيزية 400 دولار حيث ارتفعت أونصة الذهب من 1400 دولار إلى 1800 دولار، إذاً نلاحظ وقت الحروب في ليبيا ارتفاع الذهب 400 دولار خلال شهرين، وفي الأزمة السورية ارتفع الذهب تقريباً 200 دولار وسيواصل الذهب ارتفاعه أكثر وأكثر مع تسارع القضية السورية وقرب توجيه ضربة عسكرية لها، لذا أثبت الذهب أنه الملاذ الآمن للمستثمرين وقت الأزمات السياسية والتوترات العسكرية.