في خضم الشهادات التي تضمنتها أكتر الوثائق من وثائق الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- إلى الشيخ حمد التويجري -طيب الله ثراه- رئيس بيت المال للمجمعة وعموم سدير ثم القصيم واحد من الرجال الأوفياء الذين تربطهم بالمؤسس علاقة عميقة. من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب المكرم حمد بن عبدالمحسن التويجري سلمه الله تعالى.. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته الخط المكرم يصل وما عرف كان معلوم مخصوص من قبل سيعلم حاصل زكاة بارك الله فيك من قبل خطوط ابن شافي وابن العبيد اشرفنا عليها وجوابكم لهم طيب والسلام. التعليق: إحدى مهام للشيخ حمد التويجري هي تحصيل الزكاة، والرفع بما تم تحصيله إلى المؤسس ليقرر الكيفية التي ستوزع بها تلك الأموال التي يتم تحصيلها. ومن الواضح أن الشيخ حمد كان يرفع خطابات أو تقارير بما تم تحصيله أولاً بأول وهذه الرسالة من بين رسائل كثيرة غيرها تتضمن رد المؤسس على أحد تلك التقارير ومن الواضح أيضاً أن بيت المال آنذاك كان تابعاً تبعية مباشرة للمؤسس الذي يشرف عليه. ولعله ينبغي التأكيد مجدداً في هذا المقام على أن جمع الزكاة ثم توزيعها -حسب توجيهات المؤسس- واحدة من مهم عدة كانت موكلة إلى الشيخ حمد، وهذا لا يعني أبداً أنها كانت مهمة سهلة على الإطلاق، ففي ذلك الزمان الذي لم يكن شهد بعد ظهور النفط في أرض المملكة، كانت القصيم بوصفها منطقة زراعية وبوصفها أيضاً معقلاً للتجارة والتجار أحد الممولين الرئيسيين للمملكة، ما يجعل من مهمة الشيخ حمد مهمة على درجة عالية من الخصوصية والأهمية في آن، وما يعني أيضاً أن المؤسس ما ليولي أمانة أحد أهم مصادر الدخل لديه إلا لرجل يثق فيه ثقة كبيرة، ويثق في ولائه وإخلاصه، ويثق أيضاً في حكم تصرفه وقدرته على إدارة الأمور. وجدير بالذكر في هذا المقام أن نتوقف أمام صفة ربما لم نركز عليها في غمرة انشغالنا عن لطف الشيخ حمد التويجري ولين جانبه ومحبته للناس وسعيه الدؤوب في قضاء حاجاتهم، ألا وهي صفة الحزم التي كان يتحلى بها الشيخ حمد في شؤونه كلها، فالرجل اللين الهين وقت توزيع الزكاة والرفع بحاجات الناس إلى المؤسس هو نفسه الرجل الحازم القوي وقت تحصيل الزكاة الشديد مع من يلمس لديه رغبة في التهرب من هذا الحق الشرعي في المقام الأول قبل أن يكون حقاً وطنياً، فلم يكن الشيخ حمد ليتوانى في حق من حقوق الله ولا حد من حدوده، فضلاً عن أن يكون حقاً من حقوق الوطن. حتى مع أهل بيته، كان الشيخ حمد -على حنوه وعطفه- من ذلك الصنف الشديد من الرجال قوي الشكيمة، فحين يعود يدخل بيته تخفت الأصوات، ويكون الهمس سمة الكلام بين أزواجه وعياله خشية أن يقلق الصوت نومه، أو يشغله في صلاته، أو يصل إلى ضيوفه، أو يشوش على أفكاره، نعم، لم يقف حنو الشيخ حمد أبداً ولين جانبه عقبة في سبيل شدته وحزمه، وقليل من الرجال من يمكنهم الجمع بين الصفتين بمثل هذه السلاسة التي كان يتمتع بها الراحل الشيخ حمد التويجري. بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب المكرم حمد بن عبدالمحسن التويجري سلمه الله تعالى.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الخط المكرم وصل وما عرفت كان معلوم مخصوص من قبل القصر واهتمامكم في مسألته وكذلك المصاريف المقررة عندكم فأنتم أرسلوا لنا كشف حسابكم حتى ننظر فيه إن شاء الله ونسنعكم، هذا ما لزم تعريفه مع إبلاغ السلام العيال ومن عندنا العيال يسلمون والسلام( ). التعليق: هذه الرسالة ضمن رسائل كثيرة مشابهة، أبرز ما يمكن قراءته فيها تلك المسؤولية الكاملة عن كثير من التفاصيل التي كان المؤسس يحرص على إسنادها إلى الشيخ حمد حتى يستيقن أنها تتم على الوجه الأكمل. ومن التفاصيل الكثيرة والمسؤوليات التي كانت تناط بالشيخ حمد القصر الذي كان يفد فيه الملك عبدالعزيز على المجمعة أو على بريدة، فتفاصيل الإعداد للزيارة واستقبال الملك عبدالعزيز والوفد المرافق له مسؤولية مطلقة من مسؤوليات الشيخ حمد الذي كان يؤتمن على تلك التفاصيل دون غيره، لثقة المؤسس المفرطة في حسن تدبيره للأمور. ولعلنا نقرأ في تلك الوثيقة وغيرها من الوثائق جانباً آخر من تلك الخصوصية العالية للأدوار التي كان يقوم بها الشيخ حمد، فليس أي شخص يتولى شؤون القصور الملكية، وليس أي شخص يتولى تنظيم الزيارات والاستقبالات الملكية، فلابد أن يكون شخصاً على علم كبير وخبرة واسعة بكثير من البروتوكولات والتفاصيل التي ينبغي مراعاتها في الزيارات، ولابد أن يكون أيضاً من ذلك الصنف اللبيب الذي بالإشارة يفهم، وربما من دون إشارة، فعليه أن يقرأ الأحوال جيداً، وأيضاً تكون لديه ملكة قراءة رغبات ولي أمره وتوقعها، فيكون دائما عند التوقع، وهذه درجة عالية من الحساسية في الأداء لا يتمتع بها إلا الرجال المهمون الذين ينتخبهم الملوك لمثل هذه المهام، وقبل ذلك وبعده فهم من الأمناء الذين يطمئن الملوك على إدارة مثل هذه الأمور، وقد وجد المؤسس الملك عبدالعزيز في الراحل الشيخ حمد ذلك الرجل المناسب المؤتمن على مثل هذه المهام. لكن هذا كله لا يمنع من الدهشة من أن توكل كل هذه المهام إلى رجل واحد؟.. لقد كان عبئاً كبيراً لا شك، لكن صفحات سيرة الشيخ حمد لم تحمل يوماً شكوى واحدة، بل حملت مزيداً من المهام الإضافية التي سعى إليها الشيخ حمد من دون أن يكلفه بها المؤسس أو يكلفه بها المؤسس. برقية من الملك عبدالعزيز إلى الشيخ حمد التويجري: ذكر لنا الشيخ محمد بن مقبل ومحمد بن مطلق أن مقبرة المذنب تهدمت جدرانها وحصل عليها أذى، وجماعتهم فقراء، وكذلك المسجد الجامع حصل فيه عيب، فأنتم خير من يعتمد عليه ويوثق به ويكشف ذلك وتفيدونا بالحقيقة إن شاء الله. التعليق: وكأن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- قرأ تعليقنا على الوثيقة السابقة، وضحك من تساؤلنا، لماذا كل هذه المهام كبيرها وصغيرها توكل إلى شخص واحد هو الشيخ حمد؟.. فجاءت إجابة المؤسس تاجاً من الشرف يضعه بيديه الكريمتين رحمه الله على مفرق الشيخ حمد بقوله: (أنتم خير من يعتمد عليه ويوثق به). إذن كانت الثقة مطلقة في الشيخ حمد، وكان في نظر المؤسس خير من يعتمد عليه، وهي عبارات حين يقولها أو يكتبها عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود فإنه لا يقولها من فراغ، وإنما من طول دراية وخبرة بالرجل، وليس كمثل عبدالعزيز رجلاً قديراً على اختبار معادن الرجال. ومن العجيب في هذه القصة أن الأمر أثير لدى المؤسس وأخبره به اثنان من أهل المذنب، في غياب الشيخ حمد، وكما نرى فهي مسألة لا علاقة لها بالمالية من بعيد أو قريب، لكن الملك عبدالعزيز اعتبر الأمر كأنه لم يكن إلى أن يفيده رجله الصدوق حمد التويجري. إنها شهادة عظيمة لتاريخ الشيخ حمد ومسيرته أن يشهد مؤسس الوطن أنه عنده خير من يعتمد عليه ويوثق به، فمن المؤكد أنه كان كذلك. وإن مهام من هذا النوع تعكس ذلك الإلمام الكبير من قبل الشيخ حمد بجميع التفاصيل المتعلقة بمنطقة القصيم التي يبدو أنها كانت كتاباً مفتوحاً أمام الرجل يحفظ فصوله التنموية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية عن ظهر قلب، لذا كانت كل كبيرة وصغيرة في القصيم يرجع فيها إلى الشيخ حمد، وقد انسحب هذا الشعور العام على أهل القصيم أنفسهم الذين كانوا يرجعون إلى الرجل في كل صغيرة وكبيرة، بل كان مسؤولو القصيم أنفسهم يرجعون إلى الرجل طلباً للمشورة في كثير من الأمور التي تستغلق عليهم، كما يأخذون برأيه فيما يتدخل فيه من أمور لإسداء النصيحة ويضعون نصائحه في الاعتبار. بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب المكرم حمد التويجري سلمه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد ذلك، ذكر لنا الشيخ عمر من طرف بيت الإمام والمؤذن الذي في مسجد الجردة أن قصده إدخالهم مع المسجد سعة له ويعمر مكان البيتين هذي بيتين في الأرض الجنوبية، فأنتم إن شاء الله تقومون في ذلك، كذلك تعمرون بيت المؤذن مسجد الشيخ الجنوبي وكذلك تقومون في عمارة منارة مسجد الجامع، لأن قصد الإمام يجعلها في شرقي المسجد إن شاء الله تحرصون في الجميع، كذلك إذا عمرتو البيوت المذكورة تكتبون عليها وقف على المذكورين، هذا ما لزم تعريفه يكون معلوم( ). التعليق: تفاصيل كثيرة تحملها تلك الرسالة، تفاصيل بسيطة نخرج منها بأمرين: الأول: تأكيد لما سبق من برقيات ورسائل كلها تعكس تلك المسؤولية الكبيرة والمتشعبة والمتنوعة التي كان يتحملها الشيخ حمد، وكما قلنا من قبل: إن كل شيء كان مسؤولية الشيخ حمد، والمسؤولية هنا كانت ضم بيتي الإمام والمؤذن إلى أرض الجامع لتوسعته بناء على طلبهما الشخصي، ومن الواضح أن المؤسس كافأهما ببيتين جديدين في الطرف الآخر من القرية، وجعلهما وقفاً لهما، وبالطبع نفذ الشيخ حمد المهمة المطلوبة على خير وجه، تماماً كما فعل في كل المهام التي سبقتها. الثاني: اهتمام المؤسس رحمه الله بجميع التفاصيل، ومعايشته -طيب الله ثراه- لشئون رعيته يوماً بيوم، جزئية بجزئية، وكأنه يعيش بينهم. إننا أمام واقع كهذا الواقع المثالي المفرط في مثاليته يمكننا تفسير حجم المسؤوليات الكبيرة التي كانت ملقاة على عاتق الشيخ حمد، فإذا كان المؤسس نفسه وسط انشغالاته وارتباطاته مع زعماء دول وجيوش يسيرها هنا وهناك يمنح رعيته هامشاً كبيراً من وقته واهتماماته لتفاصيل حياتهم اليومية البسيطة، فهل يستنكف الشيخ حمد عن ذلك؟.. بالطبع لا، بل كان يفعل وينفذ بكل الرضا، لأنه رجل تخرج في مدرسة عبدالعزيز آل سعود التي تخرج فيها عظماء الوطن. إذن بناء المساجد وتوسعتها وعمارتها أيضاً بناء بيوت المؤذنين كلها تفاصيل كان الراحل الشيخ حمد التويجري مسؤولاً عنها مسؤولية تامة، نظراً إلى ثقة المؤسس الكبيرة بالشيخ حمد الذي كان مع الوقت تتوزع مسؤولياته وتتنوع. ولعل هذا كان من الأعمال المحببة جداً إلى نفس الشيخ حمد التويجري الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد فكان من أهلها.