أمضى الراحل الشيخ حمد بن عبدالمحسن التويجري الشطر الأكبر من عمره في كنف المؤسس، القسم الأكبر من رسائله تلقاها منه، والحلم الأكبر في حياته عاشه وعينه على ولي أمره الملك عبدالعزيز، واضعاً نفسه تحت تصرفه، منشغلاً دائماً وأبداً بكل ما يمكنه أن يقدمه لوطن جرت محبته ومحبة كل ما يدب على أرضه في دماء الشيخ حمد، الذي ظل دائماً وأبداً وفياً لولي أمره، سائراً على بيعته التي أشهد الله عليها، حتى أن القسم الأكبر من الوثائق التي شاء الله تعالى أن تصل إلينا جاء موقعاً باسم المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، تحكي في كل سطر منها تاريخاً من ولاء الشيخ حمد لرمز دولته الكبير الذي حقق لحمد التويجري وغيره ممن عاشوا يحلمون بلواء آل سعود عالياً خفاقاً يرفرف بكلمة التوحيد على أرض أمضت قروناً تئن تحت وطأة البدع والشركيات، وتمزقها القبليات والنعرات، إلى أن جاءها قاهر الظلام والظلاميين، صقر جزيرة العرب، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ لذا آثرنا أن نفرد الوثائق التي تحمل رسائل من الملك عبدالعزيز إلى الشيخ حمد في هذا القسم من الكتاب، لأهميتها الخاصة عند الشيخ حمد نفسه قبل أهميتها عندنا. بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالعزيز عبدالرحمن الفيصل إلى جناب المكرم حمد بن عبدالمحسن التويجري سلمه الله تعالى، آمين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مع السؤال عن أحوالكم، أحوالنا من كرم الله جميلة، الخط المكرم وصل وما عرفته كان معلوم. أخبارنا صحة ولا حدث ما يوجب الإفادة سوى دوام الخير والعافية، الله تعالى المحمود على ذلك، ونسأله تعالى أن يديم علينا وعليكم سوابغ نعمه ويرزقنا جميعاً شكرها، هذا ما لزم تعريفه مع إبلاغ السلام العيال ومن عندنا العيال يسلمون والسلام. التعليق: رسالة من المؤسس الملك عبدالعزيز إلى الشيخ حمد التويجري، لا يمكن إضفاء أي صفة رسمية عليها، ولا يمكن تفسيرها إلا في ضوء العلاقة الشخصية التي كانت تربط الشيخ حمد بالمؤسس. فمع الديباجة الودود التي اعتدنا قراءتها في رسائل المؤسس للشيخ حمد التي يطمئنه فيها على أحواله ويطلب إليه أن يطمئنه هو الآخر على أحواله، نجد موضوع الرسالة أن المؤسس فقط يطمئن الشيخ حمد على أحواله، ويفيده بأن صحته بخير وأن أخباره طيبة، وكأن الرسالة رد على رسالة سابقة للشيخ حمد كان يطمئن فيها فقط على صحة الملك عبدالعزيز، دون تطرق إلى أي شأن من الشؤون الرسمية، وفي ضوء رسالة كهذه -بالإضافة إلى غيرها كثير وإلى الروايات والمواقف الشفاهية والمكتوبة- يمكننا أن نرى بوضوح أن العلاقة التي ربطت بين المؤسس الملك عبدالعزيز والشيخ حمد التويجري كانت أعمق بكثير من كونها علاقة رسمية أو حتى شخصية تربط ملكاً بأحد عماله. لكن يبقى أمر في هذه الرسالة من الأهمية بمكان يجعله جديراً بالتوقف أمامه، ألا وهو تلك اللغة التي تفيض اعترافاً بأنعم الله وشكراً له من قبل المؤسس، فالمؤسس لا يذكر نعمة من أنعم الله عليه إلا ويقرنها بالشكر كما في: (الله تعالى المحمود على ذلك)، وقد سبق ذلك اعتراف تام بأنعم الله على ما نعلمه من ضيق العيش آنذاك، والظروف الصعبة التي كان الجميع يعيشونها، وأولهم المؤسس نفسه على اتساع مسؤولياته وأماناته. إلا أن المؤسس -طيب الله ثراه- كان دائماً بالغ الأدب مع ربه، فلا يرد في رسائله أو أحاديثه ما يشي بشيء من عدم الرضا عن شيء من قدر الله، بل إنه -طيب الله ثراه- يتحدث في رسالته عن أن نعم الله سابقة ويدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعله من الشاكرين لا من الجاحدين، في عبارة تعكس حالة من التصالح مع النفس، والرضا التام إلى حد الخوف من السهو عن شكر النعمة، يبدو ذلك واضحاً جلياً في: (نسأله تعالى أن يديم علينا سوابغ نعمه ويرزقنا جميعاً شكرها). هكذا كانت روح دعوة الإصلاح، وهكذا كانت مدرسة عبدالعزيز آل سعود التي تخرج فيها حمد التويجري، أحد الأفذاذ الذين استحقوا باستيعابهم لروح الدعوة الإصلاحية وتمثل قيمها ومبادئها الترقي في مراتب شرفها، والحظوة لدى فارسها الإنسان بكل ما تعنيه الكلمة من القيم والشيم والنبيلة، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم حمد بن عبدالمحسن التويجري سلمه الله تعالى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الخط المكرم وصل، وما عرفت كان معلوم مخصوص من قبل تعزيتك لنا في العمة فنرجو أن الله تعالى يعظم لنا ولكم الأجر ويغفر لها ويرحمها، وهذا مآل الدنيا ومصير كل حي، هذا ما لزم تعريفه مع إبلاغ السلام العيال ومن عندنا العيال يسلمون، والسلام. التعليق: رسالة (وثيقة) أخرى تدخل تحت بند الرسائل الشخصية المتبادلة بين الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- والشيخ حمد التويجري. وموضوع هذه الرسالة شكر وتقدير للشيخ حمد الذي كان قد أرسل يعزي المؤسس في وفاة عمته. لكن المؤسس العظيم لم يكن ليترك موقفاً كهذا دون أن يستخلص منه العظة والعبرة التي ينبغي ألا تفوت المسلم، وعلى الرغم من مصابه في عمته إلا أن هذا لم يحل أبداً دون أن يؤدي المؤسس رسالته الأخلاقية والشرعية التي كان يحرص دائماً على أدائها بالتوازي مع رسالته السياسية والإدارية، فيقول المؤسس: (هذا مآل الدنيا ومصير كل حي). إن مُلك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الواسع الذي أخضعه بالحب تارة وبالسيف تارة لمن أبى وتجبر وبغى، لم يلهه عن تذكر تلك الحقيقة التي أراد أن يشاركه تدبرها جليسه الشيخ حمد التويجري. هذا ولم تخل الرسالة من دعاء طويل من المؤسس للمعزي الشيخ حمد ولنفسه وللمتوفاة بقوله: (فنرجو الله أن يعظم لنا ولكم الأجر ويغفر لها ويرحمها). وعلى ما يبدو جلياً أن هذا الجيل كان مشغولاً بهذه الأمور، مفكراً متدبراً فيها، تغلب الأمور الشرعية على معجمه اللفظي والتعبيري، حالهم حال أهل أي اختصاص تغلب لغة اختصاصهم على معجمهم، وقد كانت دعوة الإصلاح اختصاص عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، لذا كانت دائماً ألفاظها تغلب على معجمه اللغوي. ولعلنا في ضوء ظاهرة مثل تلك من عشرات بل مئات الظواهر التي يمكننا رصدها في سيرة المؤسس العطرة، يمكننا تفسير هذا الولاء الشديد من رجل مثل حمد التويجري بالملك عبدالعزيز، حتى أن قدميه لم تطآ أرض الرياض من بعد وفاته -طيب الله ثراه- ، فكلها تأويلات توصلنا في الأخير إلى حقيقة واحدة، هي ذلك الإيمان الكبير من قبل الشيخ حمد بصدق دعوة الإصلاح وفارسها ومعلمها الحاذق المتدبر المستوعب لرسائل القدر الإمام عبدالعزيز آل سعود.