ابتدأت كراهيتي لخالتي فاتنة الابتسامة مجدولة الضفائر منذ سنوات عمري الأولى، تحديداً عندما أخبرتني عمتي بأنها زغردت بصوت مرتفع واحتضنت أمي عندما جاء خالي الصغير راكضاً ليعلن وفاة والدي! لم أستوعب الموقف جيداً، كيف يموت أبي وتفرح خالتي وتبكي أمي في صمت دون أن تزجرها؟.. صحيح أن والدي كان طليقها إلا أنه يظل والدي.. أخبرتني عمتي بذلك عندما كنت في الصف الأول الابتدائي، ومن يومها وأنا أكرهها. لم يشفع لها عندي أنها كانت تحبني بجنون، وهي أول من حملني بين ذراعيه حين وُلدت، وكثيراً ما مررت بها دون إلقاء التحية فتهز رأسها، وتلمع دموع خفية داخل عينيها، تنعكس مع طيف الشمس؛ لتشكل ألواناً، سرعان ما انسحب قبل هطولها. وحتى بعد أن بلغت عمر الرجال لم تتغير نظرتها الملونة لي!! فكثيراً ما مررت بها في طريقي من بيت أمي التي تزوجت من كبير التجار إلى الجامع مرتدياً جلباباً ناصعاً، فتتبعني بعين دامعة وهي تردد أذكار الحفظ وتمائم العين والحسد إلى أن أغيب عن عينيها. ربما لم أعرف كم كنت قاسياً معها إلا بعد أن كثر جلوسي مع الصبية من حولي، وسمعت الكثير عن قسوة أبي وطلاقه لأمي من أجل الزواج بصديقة العمة الثرية، وسرعان ما هدد أمي بأخذي عندما سمع برغبة كبير التجار بها زوجة؛ لذا زغردت خالتي، واحتضنت أمي عند وفاة أبي. شعرتُ برغبة قوية في ضمها؛ فاتجهت مع بزوغ الشمس نحو بيتها. كنت أعرف أنها في هذا الوقت تكون مع عنزاتها لجلب الحليب. توقفت خلفها أرقب الشيب الذي بدا يغزو جدائلها الحالكة. التفتت نحوي في بطء لتواجهني بعينَين انعكست داخلهما الشمس مكونة أطيافاً لم أهرب قبل هطولها، بل شاركتها بعينين. افتقدت كثيراً حضنها ورائحتها. - السودان