بادئ ذي بدء أود أن أعترف بأن الحديث عن العظماء في التاريخ الإنساني، سواء القديم أو الحديث ليس بالأمر الهين ولا البسيط لما قد يكتنفه من شيء من القصور، إما في دقة المعلومات والوثائق وشح مصادرها، أو لعدم الإحاطة الكاملة والشاملة لكثير مما كتب وألف عن تلك الشخصيات وعن إنجازاتها ونجاحاتها. لكن هذا لا يعني ألا نسلط الضوء على بعض المحطات والجوانب المضيئة والمشرقة في حياتهم، وفاء منا وعرفاناً لألئك الرجال الأفذاذ الذين صنعوا التاريخ ببطولاتهم وتضحياتهم وأخص بالذكر منهم سمو سيدي الأمير سلمان بن عبد العزيز، هذا الرجل العظيم والرمز الكبير هذا الجبل الشامخ والهامة العالية في التاريخ المعاصر والعلامة الفارقة فيه. كيف لا...؟ وهو الذي تخرج من مدرسة والده المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، ونهل من معين علومها ومعارفها وتجاربها في الحياة التي كان لها بالغ الأثر وعميق الوقع في نفسه وصقل شخصيته، مما جعله أحد أهم أركان الأسرة الحاكمة الذي يعول عليه بالشدائد والخطوب والمستشار الشخصي لكل حكام المملكة لما يتمتع به من ذكاء وسداد رأي؟، والأب الروحي للأسرة الحاكمة لما يوليه من متابعة واهتمام بشؤونهم. فهو في التاريخ المرجعية الأساس، والقبلة التي يقصدها ويؤمها الكثير من الكتاب والرواة والمؤرخين والباحثين المهتمين بالشأن التاريخي لينهلوا من علمه الغزير ومخزونه الوفير في الأدب وحوادث الزمان وأيام العرب والقصص والأشعار والأنساب، وغيرها من شتى العلوم والمعارف فهو بحق جامعة متنقلة في جميع التخصصات. كما أن اشتغاله بالعمل السياسي في الدولة وإسناد أكبر وأهم المناصب إليه لما يتمتع به من شخصية قوية وقيادية وحنكة سياسية ونظرة ثاقبة ورجاحة رأي وإدراكاً وتبصراً بأبعاد الأمور لم يبعده عن الناس، ولا الالتقاء بهم في أدق ظروفه وأصعبها، ولا يخفى على أحد كيف كان يقف الساعات الطوال في استقبال جموع المواطنين الذين يتدفقون للسلام عليه في مجلسه العامر في قصر الحكم في الرياض عندما كان أميراً عليها، وما يزال على عادته- أيده الله- بالرغم من كبر وزيادة حجم مسؤولياته وواجباته بعد إسناد ولاية العهد إليه، فقد خصص- أيده الله- يوماً للالتقاء بأبنائه المواطنين من كل أسبوع يستمع إلى شكاويهم وهمومهم وموجهاً بتنفيذ مطالبهم ومحتوياً ومسوياً مشاكلهم وخلافاتهم إن هي رفعت إليه. وهو نهر دافق لا ينضب من البذل والعطاء والوفاء والإيثار والأخوة الحقيقية والصادقة التي تجلت بأبهى وأجمل صورها وأسمى وأرقى معانيها عندما رافق أخاه الأمير سلطان بن عبد العزيز- رحمه الله- برحلة علاجه خارج المملكة دامت لأكثر من عام تاركاً الأهل والولد والعشيرة والوطن، ملبياً نداء الفطرة والعاطفة الربانية. مسانداً ومعاضداً لأخيه الأمير سلطان في محنته بعد أن اشتد عليه المرض.فكان المرافق في وجهته والمؤنس بغربته والمسامر بوحدته، فيا له من مشهد عظيم ومؤثر وصورة بالغة الروعة قدمها سموه إلى الإنسانية جمعاء بالرحمة والمودة والرفق والعلاقة الوثيقة التي تربط الأخ بأخيه بحال العسرة والشدة والمرض، وغيرها الكثير والكثير من المواقف التي تفيض إنسانية لسموه الكريم. وحبه لعمل الخير ونشره بين الناس والاهتمام به جعله من أوائل السباقين في ميدانه، فقد ترأس سموه الكريم العديد من الجمعيات والهيئات واللجان التي تعنى بمساعدة الضعفاء والفقراء ومتضرري السيول والفيضانات والزلازل في العالمين العربي والإسلامي، كما أن أياديه البيضاء لم تقتصر على دعم الخارج وحرص في الداخل ما يحير العقول والأفهام عن تصوره وإدراكه وما يعجز المحابر والأقلام عن سرده وكتابته. فنأخذ على سبيل المثال وليس الحصر مشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري، والذي أعاد البسمة للفقراء والأيتام والأرامل والعجزة الذي كان لهم المنقذ من التشرد والضياع، وإنشاء بنك الطعام الذي يوفر الطعام للأسر الضعيفة والمحتاجة والفقيرة في كل مناطق المملكة صائنا وجوههم عن ذل السؤال، ناهيك عن دعم وإنشاء الجمعيات الخيرية، ومراكز الدعوة وتحفيظ القرآن والاحتفاء بحفظته وتكريمهم.وغيرها الكثير من المشاريع الخيرية والإنسانية المعروفة لسموه، والتي أسأل الله أن تكون في موازين حسناته يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ...ودمتم بألف خير.