لو كنتَ تمشي وجاء شخص ومدَّ يده فجأة بسرعة إلى وجهك فماذا ستكون ردة فعلك؟ - لا شعورياً ستجد أنك تُبعد رأسك كله بعيداً عن يده وبسرعة فائقة وبلا أي تفكير، وهذه من نعم الله علينا، فالعقل البشري لا يستجيب فوراً بل يحتاج وقتاً ليعالِج المعلومات والمعطيات التي يراها ويسمعها، ومن يضع يده على حديدةٍ ملتهبة سينزعها ولكن ليس فوراً وإنما بعد عدة أجزاء من الثانية يحتاج إليها العقل والأعصاب لمعرفة ما حصل، ومن يسمع خبراً مفاجئاً فسيصمت قليلاً ريثما يحلّل العقل معنى الخبر ومن ثُم تأتي ردة الفعل، ولكن هناك آليات وضعها الله سبحانه وتعالى في العقل البشري لحماية الإنسان من الخطر ومنها ردات الفعل غير الشعورية كالتي في المثال المذكور، فالرأس أهم أعضاء الجسم ولهذا يكون له نصيب الأسد من الحماية، وأتذكر صورة قديمة رأيتها جَعَلَتْني أفكر كثيراً، وهي مشهد رجل في الهواء قد قذف نفسه من سطح بناية ليقتل نفسه، ولا شعورياً التقطَتْ آلة التصوير صورته وهو يحمي رأسه بيديه أثناء سقوطه، على الرغم من أنه يرغب في قتل نفسه! هذه الردَّات وضعها الله في عقولنا لنصنعها بلا وعي، وردات الفعل عموماً ليست شيئاً يفعله الكبار فقط بل هي مُبرمَجة في أمخاخنا منذ الولادة، فالصغار والرُّضَّع لديهم ردات فعل آلية تجاه أنواع معينة من الحوافز (أي العوامل التي تصنع ردة فعل)، ففي المثال الأعلى حركة مدُّ اليد المفاجِئَة هي الحافز، وهناك حوافز أخرى منها ما يُسمّى ردة فعل مورو إشارة إلى اسم الطبيب الذي اكتشفها وهي ردة تظهر إذا فزع الرضيع أو إذا شعر بأنه يسقط، فإذا وُضع الوليد بحيث يكون جسمه مستلقياً على ظهره مع رفع الرأس والظهر قليلاً ثم أُفلِت الرأس بحيث ينزل فجأة فإن الوليد سيمدّ يديه ورجليه بسرعة ثم يضم كفيه وكأنه يحاول التشبّث بشيء، وهذه تحصل حتى لو كان نائماً، وهي من الاختبارات التي يجربها الأطباء ليعرفوا سلامة المخ. ردة فعل المشي أيضاً موجودة، والرضيع إذا حُمِل بحيث تلمس قدماه الأرض فإنه لا شعورياً سيُقدِّم قدماً ثمّ الأخرى وكأنه يمشي، لكنَّ قدميه لا تتحملان وزن الجسم فلا يستطيع هذا لوحده، وتختفي هذه الردة إذا بلغ الطفل من العمر ستة أسابيع وتعُودُ من جديد بشكلٍ شعوري إذا قارب عمره عشرة أشهر. ومن الردات الأخرى ردة البحث، فالرضيع إذا شعر بشيء يلمس فمه أو خده فإنه يُميل رأسه بشكلٍ تدريجي حتى يجده هدفه، وهذه من «البرمجيات» التي كتبها الله في مخ الرضيع ليجد ضِرع أمه، فإذا وجده اشتَغَلَت ردة فعل أخرى وهي الامتصاص وهذه ردة فعل لدى كل الكائنات الثديية إذا وُلِدَت، فإذا شعر الرضيع بشيء يلمس سطح جوف فمه فإنه لا شعورياً يمتصّه. إذا ما شعر الرضيع بشيء يلمس ويداعب باطن يده فسيمسكه بقبضته الصغيرة بقوة تكفي لتحمّل وزنه، كأنْ يتشبّث بيدٍ ترفعه من وضع الاستلقاء إلى الجلوس. أما أعجب الردات فهي ردة فعل الرضيع إذا وضعناه في الماء، فالذي يفعله بلا تفكير ولا وعي هي أن يحرّك يديه وقدميه محاولاً السباحة! لكن لا يُنصَح بهذا وقد يموت غرقاً إذا وضع في الماء فجأة هكذا، ولكن مع بعض التدريب يمكن للرضيع أن يسبح حتى قبل أن يعرف المشي والنطق، فسبحان الخالق العظيم الذي ألهمهم هذا. Twitter: @i_alammar