تتشارك سلطات ثلاث في إدارة الإمبراطورية الأمريكية، فهناك الرئيس، الذي ينتخب لمدة أربعة أعوام قابلة للتجديد فترة واحدة فقط، وقد كان الدستور الأمريكي يتيح للرئيس أن يعاد انتخابه لفترات غير محددة، ثم جرى تعديل على الدستور، يحدد الرئاسة بفترتين فقط، وقد تم هذا التعديل بعد فترة حكم الرئيس الشهير فرانكلين روزفلت، الذي انتخب للرئاسة في عام 1932، ثم أعيد انتخابه ثلاث مرات (1036- 1940-1944)، وقد اتضح لاحقا أنه أعيد انتخابه وهو مريض، ومقعد، وحينها تم تعديل الدستور، وهو التعديل الثاني والعشرين، الذي أقره الكونجرس في عام 1947، والطرف الثاني في معادلة السلطة الأمريكية هو الكونجرس بشقيه، مجلس الشيوخ، الذي ينتخب العضو فيه لمدة ست سنوات قابلة للتجديد المفتوح، ويتم انتخاب عضوين عن كل ولاية، بغض النظر عن عدد سكانها، ومجلس النواب، الذي ينتخب العضو فيه لمدة سنتين قابلة للتجديد المفتوح أيضا، ويتم تحديد عدد الأعضاء الممثلين لكل ولاية بنظام النسبة، والتناسب حسب عدد السكان، فما هو الطرف الثالث! آخر أطراف معادلة السلطة في أمريكا هي المحكمة العليا، التي تتكون من تسعة قضاة، ويتم ترشيح القاضي من قبل الرئيس، ولا بد من مصادقة مجلس الشيوخ على الترشيح، ومن يتم اختياره عضواً في المحكمة العليا يخدم في هذا الموقع مدى الحياة، ما لم يقعده المرض، أو يطلب التقاعد بإرادته، أو يرتكب جناية كبرى، مثل الخيانة العظمى على سبيل المثال! وهناك حالات كثيرة يستغرق اعتماد ترشيح عضو المحكمة العليا وقتا طويلا، وقد يرفض مجلس الشيوخ مرشح الرئيس فيضطر الرئيس إلى ترشيح قاض آخر، وهكذا حتى تتم المصادقة على المرشح المناسب، ولعل قصة ترشيح القاضي من أصول إفريقية كلارينس توماس من قبل الرئيس بوش الأب، وما رافق ذلك من نقاشات حادة في مجلس الشيوخ أكبر دليل على صعوبة إجراءات تعيين أعضاء المحكمة العليا. ومن المسلم به أن الولاياتالمتحدة بلد مؤسساتي، ترسم فيه السياسات لعقود مقبلة، وذلك بالمشاركة مع مراكز الدراسات، والبحوث، التي غالبا يديرها، ويعمل فيها كبار المفكرين الأمريكيين، وذلك بدعم من الحكومة الفيدرالية، ودائما ما نجد أن كل رئيس يواصل سياسة من سبقه، مع بعض الاختلافات الطفيفة تبعاً لسياسات الحزب التي ينتمي إليه الرئيس، وعلى سبيل المثال فإن المتابع يلاحظ أن السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بإسرائيل شبه ثابتة، مهما تغير الرؤساء، وذلك منذ أكثر من خمسة عقود، ومع ذلك فإن التاريخ الأمريكي شهد حالات قليلة، كان الرئيس فيها مطلعا، وقويا بما فيه الكفاية ليؤثر -ولو جزئيا- في مسار اتخاذ القرار، إذ إن هناك فرقا بين أن يكون الرئيس ضعيف الخبرة، وضحل المعرفة، وبالتالي يديره أركان الحزب، وأركان الإدارة، كما في حالة الرئيس بوش الابن (2000- 2008)، الذي كان مجرد واجهة لنائب الرئيس الصامت ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رومسفيلد، ومن ورائهم من صقور الظلام مثل بول وولفويتز، وريتشارد بيرل، وغيرهم من عتاة المحافظين الجدد، وبين الرئيس المؤثر بذاته، وذلك بما يملكه من علم، وثقافة، وخبرة سياسية، مثل الرئيس التاريخي إبراهام لينكولن، ومثله ثلة نادرة من الزعماء التاريخيين، الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ هذه الإمبراطورية النادرة المثال، ولعلي أتحدث عن ذلك بالتفصيل في مقال مستقل. [email protected] تويتر @alfarraj2