تعتبر المحكمة العليا قيمة كبرى في كل دول العالم، ولم لا وهي أعلى سلطة قضائية وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر المحكمة العليا أحد أهم الرموز التي تفخر بها هذه الإمبراطورية العظيمة، ولا يمكن للزائر للولايات المتحدة إلا أن يتوقف طويلا عند تلك البناية العتيدة للمحكمة العليا في العاصمة الأمريكية، واشنطن دي سي، والتي تمثل أعظم قيمة قامت عليها تلك البلاد، فعلى مدى أكثر من مائتي عام تشرف مئات من أبرز رجال القانون بالعمل في ذلك المبنى، والذي تتوسط مدخله عبارة (العدالة للجميع) في اختصار لقيمة يفخر بها كل مواطن أمريكي، ويتم ترشيح القاضي بالمحكمة العليا من قبل الرئيس، ومن ثم يخضع للاستجواب من قبل اللجنة القانونية بمجلس الشيوخ، وفي حال تم التصويت له بالأغلبية من قبل تلك اللجنة، يتم التصويت بعد ذلك من قبل كل أعضاء مجلس الشيوخ، والبالغ عددهم مائة، وفي حال التصويت له بالأغلبية يصبح عضوا في المحكمة العليا. وتنبع قيمة المحكمة العليا بالولاياتالمتحدة من كونها تمثل سلطة كبرى، فالسلطة في أمريكا تتوزع بين الرئاسة والكونجرس بشقيه مجلس الشيوخ ومجلس النواب والمحكمة العليا ومع أن مدة الرئيس بكل ما يتاح له من سلطات كبرى يحددها القانون بثماني سنوات، كحد أقصى، ومدة عضو مجلس النواب ست سنوات قابلة للتجديد من عدمه، وعضو مجلس الشيوخ سنتان قابلة للتجديد من عدمه، إلا أن عضوية قاضي المحكمة العليا تستمر مدى الحياة، ولا يستطيع أيا كان أن يعزله من منصبه إلا في حالة العجز عن أداء المهام، أو الخيانة العظمى، أو أن يطلب القاضي ذاته الإعفاء لسبب من الأسباب، وبسبب هذه القيمة الكبيرة لقضاة المحكمة العليا فإن كل رئيس أمريكي يشعر بالفخر في حال أتيح له ترشيح أكبر عدد من قضاة هذه المحكمة. أذكر بهذا الخصوص أنني تابعت مراحل ترشيح عضو المحكمة العليا حالياً، القاضي كليرانس توماس، وهو قاض من أصول أفريقية، تم ترشيحه من قبل الرئيس جورج بوش الأب في عام 1991م، ليخلف القاضي الشهير من أصول أفريقية ثرقود مارشال، والذي تم ترشيحه من قبل الرئيس ليندون جانسون في عام 1967م، وقد دخل التاريخ كأول قاض أسود يتم اختياره عضوا في المحكمة العليا، وقد كان الاستجواب طويلاً، وقاسياً، وكان نجم الاستجواب هو نائب الرئيس أوباما السيد جوزيف بايدن، وذلك عندما كان عضوا بارزا في مجلس الشيوخ، وقد استغرق الاستجواب أسابيع طويلة، تخللها الكثير من المواقف المحرجة وأدركت بعد ذلك صعوبة المسيرة التي يمر بها المرشح، قبل أن يتم اعتماده عضوا في المحكمة الأمريكية العليا، فماذا عن المحاكم العليا في بلاد العالم الثالث؟! على الرغم من الأهمية القصوى التي تمثلها المحاكم العليا كأعلى سلطة قضائية في كل بلد، إلا أنها تتم الاستهانة بها من قبل بعض السلطات في العالم الثالث فقد تابعنا ما جرى في مصر ما بعد الثورة!، وتابعنا قبل ذلك وبعده إجراءات مشابهة، تنتقص من هيبة القضاء والقضاة، سواء كان ذلك عن طريق عزل القاضي، أو الضغوط التي يواجهها، أو غيره مما يؤثر على هيبة القضاء، والكل يعلم أن هيبة القضاء يجب أن تكون خطا أحمر، لأن الانتقاص من هذه الهيبة يؤثر سلباً على (العدالة) والعدالة هي سر (الأمن الاجتماعي). [email protected] تويتر @alfarraj2