في دراسة عجيبة وغير مسبوقة قامت الممرضة الأسترالية (بروني وير) التي كانت تعمل في أحد المستشفيات الأسترالية وفي قسم خاص (بمن دنا أجله) بحسب تقدير الأطباء وإلا فالأعمار بيد الله, وكان أغلب من في هذا القسم لا يكمل شهرا ثم يغادر هذه الحياة، وكان يعمُر هذا القسم أشخاص على ثنية الوداع فقد أثخنهم المرض وأوهنهم، يلبسون ثيابهم صباحا ولا يعلمون هل يخلعونها مساء أم ستخلعها يد الغاسل! وقد كانت الدراسة تعتمد على إجابة سؤال جميل وهو: ما هي أكثر خمسة أشياء ندمت عليها في حياتك؟ ولعله من المفارقات أن الإنسان في تلك المرحلة تجري الحكمة على لسانه وسيكون قادرا على تقييم ما فات من حياته! وقد كانت النتيجة مجلية لأكثر خمسة أشياء ندم عليها هؤلاء، وكانت كما يلي: 1. الأمنية الأولى: (ليتني كنت أمتلك الشجاعة الكافية لكي أحيا الحياة التي أتمناها, لا كما أرادها الآخرون لي!). وللأسف أن الكثير يعيشون كما يريد الآخرون؛ يتنفسون بهوائهم ويأكلون حسب مزاجهم يشتهون ما يشتهي من حولهم ويعافون ما يكرهون, يخطط عليهم ولهم الآخرون! ولا يسعهم إلا موافقتهم! وهم كذلك يتفاعلون مع كل محطم وينصتون لكل حاسد؛ فيغتالون أمنياتهم بأنفسهم ويئدون أحلامهم بأيديهم! ونتيجة هذا لا تجدهم إلا في آخر الركب! وقد أجاد الشاعر وصفهم بقوله: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود 2. الأمنية الثانية: (يا ليتني لم أقض كل وقتي في السعي وراء المال ولم أجهد نفسي في العمل) ولن أنسى ما قاله لي رجل عصرته السنون وعلمته الليالي فقال في معرض رده علي عندما اعتذرت عن البقاء في مناسبة بحجة الانشغال: يا بني لو خرج أهل القبور هم من قبورهم لذهبوا لأعمالهم! وفي كلامه إيحاء بأن العمر ينقضي ولا تنقضي الارتباطات! ومن أقوى أمراض العصر إدمان العمل فتجد الكثير يستغرق في العمل وقتا وتفكيرا، وذلك على حساب صحته وأسرته؛ وبعد التقاعد يتضح له ضرر ما فعل, والمال زينة للحياة ولكن ما فائدته إذا لم يُستمتع به ولم يخلف إلا قرحة ولم يورث إلا هما وقلقا؟ ومن هذا ما تقوم به بعض النساء حيث تعمل في دنياها بنظام (الشمعة المحترقة) حيث تفني عمرها وجهدها وصحتها في رعاية وخدمة من حولها ولا وقت للراحة وللهواية ولا الاسترخاء! 3. الأمنية الثالثة :(يا ليتني تشجعت وعبرت عن مشاعري) يموت الكثير من الأحياء قهرا وكمدا بسبب جبنهم عن التعبير عن مشاعرهم؛ طمعا في السلامة أحيانا وربما كان ثمرة تربية عقيمة!, وبعضهم أصيب بداء (استلطاف الآخرين) ونتاجه ضعف تقدير للذات ونقص هائل في الثقة بالنفس! وللأسف أن نتاج هذا السلوك؛ زهد الناس فيهم وحياة مملة رتيبة, والعلم أثبت أن الجسد يتحدث بالقرحة والقولون إذا لم يتحدث اللسان ويعبر! 4. الأمنية الربعة: (يا ليتني اعتنيت بأحبتي وأصدقائي أكثر) تبدو الحياة جافة دون أصدقاء ومظلمة دون وجود أشخاص يحبوننا ونحبهم نرتشف معهم رشيق الحب السامي نستظل معهم بظل الحب الوارف، فعندما تئن الروحُ وتصرخ حجراتُ القلب، ليس لنا بعد الله إلا الصديقُ الوفيُّ والحبيب الصادق؛ فهم أُنسٌ في الرخاء وعُدة في الشدائد. الحب في الأرض بعض من تخيلنا. لو لم نجده عليها.. لاخترعناه! ومن هذا توقف الكثير عن التعبير عن مشاعرهم الجميلة تجاه من يحبون وتلك أمة عاطفية محاها قرة العين «اللهم صل وسلم عليه»، عندما أباح له صحابي بمشاعره تجاه رجل فلم يكن التوجيه على الدعاء له وذكره بالخير؛ بل أمره بالتصريح عن مشاعره فقال؛ اذهب وأخبره! وما أروع قول القائل: وردة واحدة تهديها لمن تحب خير من باقات ورد تنثرها على قبره! وكلما حضر الحب ارتفعت للسعادة راية وانكسر للشقاء ألف راية وراية! 5. الأمنية الخامسة: يا ليتني اخترت خيار السعادة في جميع شؤوني! في ساعة (ما) سنكتشف أننا ربما أسأنا الاختيار في القضية الأهم في حياتنا ألا وهي السعادة! وهي دافع البشر الأول تجاه كل ما يفعلون, ولكنهم للأسف لا يحسنون الاختيار ولا يصيبون الرمي, ولو أن الشريك وضع السعادة الزوجية هدفه لسعى لها سعيها وبذل جهده لها، ستجده يتجاوز التوافه لتحقيق هذا الهدف, وهذا ينسحب على كل مناحي الحياة ومجالاتها، ضع هدفك أن تسعد وتُسعد وابذل الجهد وستصيب الهدف -بإذن الله- لم يدرك كثيرون أن السعادة اختيار شخصي إلا حين دنا الأجل! 6. وأضيف لها أمنية سادسة أخبرنا بها الحق عزّ وجلّ وهي ما سيقوله الإنسان عند وفاته {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}، ولسان حاله يا ليتني نقيت قلبي وطهرت روحي, يا لتيني استزدت من الطاعات, يا ليتني كنت أقرب لربي، يا ليتني لم أحسد ولم أغتَب, وأخيرا أجدد القول إن الأعمار بيد الله ولا يدرى من سيتقدم ومن يتأخر! فلعلك أيها العزيز تتأمل في تلك الأمنيات فما كان منها مفقودا فاعتن به واغترف منه وعش أجمل حياة معه. ومضة قلم: قد لا يتطلب الأمرُ أكثر من شخص واحد لقلب حياتك رأسًا على عقب! [email protected]