كتبت الأسترالية بروني وير قبل عامين مقالاً في مدونتها تجاوز عدد قراءه حتى اليوم الخمسة ملايين قارئ. المقال لخّص لمشاعر الندم التي رافقت الأشخاص الذين عملت بروني على رعايتهم في مراحل حياتهم الأخيرة. وسرَد أهم خمسة أمور يندم على فواتها المغادرون للحياة ! الندم على أنهم عاشوا حياتهم كما طُلِبَ وتُوقع منهم لا كما يتمنون، تصدر قائمة “الحزن على ما فات”. حيث ترى بروني أنه من الضروري جدا محاولة الوفاء لبعض أحلامنا قبل فوات الأوان. وأرى أن جزءاً من مشكلتنا هنا هو أننا لا نسعى جدياً لتحقيق أحلامنا أو أننا نزهد في أحلامنا كلما اقتربنا من تحقيقها. ولكن تلك الأحلام التي نتخفف منها أثناء قضاء مشاوير الحياة المطلوبة منا تظل عالقة بذاكرتنا من حيث لا ندري. جاء في المرتبة الثانية من قائمة ندم المغادرين، التحسر على تضييع الكثير من الأوقات الجميلة التي كان من الممكن قضاءها مع الأحبة، “ليتني لم أجهد نفسي كثيرا في العمل” عبارة سمعتها بروني من جميع الرجال الذين قامت على رعايتهم أثناء عملها كممرضة لأشخاص يواجهون الموت. وتصل بروني من ذلك لاستنتاج عملي، وهو أننا لو اتخذنا قرارات واعية خلال مشوار حياتنا لما احتجنا للدخل المادي الذي نعتقد أننا في حاجة إليه وذلك من خلال تبسيط أسلوب حياتنا. في المرتبة الثالثة جاء الندم على كبت المشاعر، فحفاظا على السلم مع الآخرين نحن لا نقول كل ما نريد قوله، مما جعل الأشخاص الذين يقيدون الكثير من مشاعرهم يرتضون لأنفسهم وجودا متواضعا لا يرتقي إلى مستوى قدراتهم لأنهم ما استطاعوا تجاوز الآخر الذي يقف عائقا أمام ذلك! تؤمن الكاتبة أنه يتحتم علينا التعبير عن مشاعرنا تجاه الآخرين بغض النظر عن سلبية أو ايجابية المشاعر. وأعتقد أن التعبير عن مشاعرنا الحقيقية سيزيد من متانة علاقاتنا الجيدة وسيزيح عن طريقنا تلك العلاقات غير الصحية ذات السور المنخفض الذي تتسلل عبره آفات المشاعر إلى أرواحنا فتتلفها. فمن الضروري علينا إذن احترام مشاعرنا وعدم الاستهانة بتأثيرها على حياتنا. إن جميع من صحبتهم بروني وير إلى بوابة المغادرة كان يفتقد صديقاً، وجاء الندم على خسارة الأصدقاء في المرتبة الرابعة من قائمة “الخمس أمور التي يندم عليها من هم على مشارف الموت”.. تقول بروني: الجميع يفتقد أصدقاءه عند الموت.. وكفى ! أخيرا وليس آخرا، فقد ردد الكثير من الراحلين عبارة “ليتني أسعدت نفسي أكثر”!. فبعد تجلي الذاكرة في حضرة الرحيل اقتنع الجميع أن السعادة خيار متاح في كل حين من الحياة. غير أنهم ظلوا طوال حياتهم أسرى لنمط حياة تقليدي وعادات مملة! فالخوف من التغيير والارتياح للمألوف جعلهم يصطنعون التماسك والسعادة في الوقت الذي تتوق فيه أرواحهم لضحكة من القلب أو ممارسة أمر سخيف قد يجلب الفرح إلى قلوبهم. جدير بالذكر أن الأسترالية بروني بالأساس موسيقية وكاتبة أغاني انتقلت من العمل كموظفة في شركة إلى العمل في “الرعاية التلطيفية”، أي دعم المرضى اجتماعيا وروحانيا في المراحل الأخيرة من حياتهم، دون أي سابق خبرة ولا مؤهل علمي! غير أنها استطاعت بقلبها الحي تلخيص تجربتها في مقال أثر على الملايين من الناس وترجم إلى عدة لغات وتحول إلى كتاب صدر العام الماضي يحمل عنوان: أكثر خمسة أمور يندم عليها من هم على مشارف الموت – حياة تحولت من قبل المغادرين الأحباء. وتقصد هنا حياتها الشخصية التي حولتها تجربة العمل مع المغادرين إلى حياة أكثر حفاوة وحب وتقدير للعيش وذلك من خلال تطبيقها للدروس المكتسبة ممن صحبتهم من المغادرين. من العبارات المؤثرة التي وردت في المقال: في نهاية الأمر وبعد الكثير من الغضب والندم، يجد الراحلون السلام قبل رحيلهم. الصحة تجلب مساحة كبيرة من الحرية لا يفطن لها الكثيرون! كل ما نبحث عنه في الأسابيع الأخيرة هو الحب والعلاقات الجيدة.