أشرتُ في المقالات السابقة إلى أن الملك عبدالله - يحفظه الله - لم يكتفِ بتوسعة وترميم وتهيئة الحرمين الشريفين بل قام بإعمار وإنشاء مساحات جديدة، وعمارة مبانٍ تمثلت في الضلع الشمالي للحرم المكي لاستيعاب نصف مليون حاج ومعتمر وزائر, وذلك بطراز مماثل ومتمم ومتداخل مع طراز الحرم المكي؛ فقد حافظ الملك عبدالله أثناء عمارة الضلع الشمالي على مرتكزات أساسية، هي أن تكون عمارته مماثلة ومتطابقة مع عمارة الحرم المكي من حيث الطراز والوحدات المعمارية وعناصرها ومواد البناء من الرخام والإنشاءات، وأن يكون الشكل مطابقاً تماماً مع العمارة الإسلامية روحاً ومضموناً، ومطابقاً مع العمارة السابقة للحرمين. فقد حافظت عمارة الملك عبدالله على التفاصيل التاريخية والأنماط التقليدية في عمارة المساجد في العالم الإسلامي من حيث الزخارف والنقوش وتعاقب حجر الرخام، وتشابه الوحدات المعمارية، وفي اتساع المداخل وارتفاع البوابات وفخامة البناء، والاعتناء المعماري بالأعمدة وتيجانها والقباب والعقود والأقواس والزوايا الركنية والمداخل، وارتباط العقود مع صحن الكعبة المشرفة وتناسق الأروقة والساحات الخلفية. كذلك حافظت عمارة الملك عبد الله على المسحة الروحانية لبناء المسجد من حيث سعة الفضاء داخل الأروقة وارتباط البناء بصحن الكعبة المشرفة عبر الساحات الجنوبية للبناء، وعبر التقاء الضلعين الشمالي الشرقي والضلع الشرقي، وهي زاوية الربط التي أعتقد أنها ستنفذ مستقبلاً, إضافة إلى الجسور التي أعتقد أيضاً أنه سيتم إنشاؤها لربط عمارة الملك عبدالله بالضلع الشمالي الحالي للحرم؛ ليكون ضلع عمارة الملك عبدالله هو الضلع الشمالي للحرم المكي. وهذا يزيد من الجانب الروحي من حيث فضاءات الضلع الشمالي وارتفاع البناء الجديد ببواباته الضخمة ذات العقود والأقواس العالية والأعمدة المهيبة وزخرفة المحاريب العلوية والمتراصة والغائرة التي تجعله أكثر هيبة في المعايير المعمارية. كما حرص الملك عبدالله على أن تكون عمارته متطابقة مع روح وشكل البناء الحالي للحرم المكي؛ فقد حافظ على الطراز المعماري في بناء المساجد، وحافظ على تقاليد العمارة الإسلامية التي تأسست هنا في الحرمين المكي والمدني في القرن الإسلامي الأول، وأصبحت نموذجاً لمساجد العالم الإسلامي التي بنيت فيما بعد مثل جامع القيروان في المغرب، وسوسة والزيتونة في تونس، والأزهر في مصر، والجامع الأموي في دمشق، والأموي في الأندلس (إسبانيا)، وجامع الكوفة وسامراء والقرويين، وجامع عمرو بن العاص وجامع المتوكل، وجامع قبة الصخرة وجامع المسجد الأقصى والمساجد العثمانية في إسطنبول، والتيمورية والمغولية في أفغانستان وباكستان ووسط آسيا.. وسوف أذكر في المقال القادم تلك المرتكزات التي حافظت عليها عمارة الملك عبدالله؛ ليبقى بناء الضلع الشمالي محافظاً على روح وشكل العمارة الإسلامية. يتبع