«يوتوبيا».. ما هذه؟.. يوتوبيا -حسب الكلمة اليونانية الشهيرة لها- هي المدينة السعيدة؛ هذه المدينة حُلم الكثير من الناس أن يعيشوا فيها، وفكرتها أنها مدينة لا كدر فيها ولا ظلم ولا شر، لا شيء إلا العدل والصفاء والخير. أول ذِكر لهذه الفكرة كان على لسان الفيلسوف اليوناني المعروف أفلاطون في كتابه «الجمهورية»، والذي تخيّل فيه مدينة تنقسم فيها أطباق الناس إلى أربع: الذهب والفضة والبرونز والحديد، يهمنا منها طبقة الذهب وهذه الطبقة نخبة قليلة من الناس الذين يتدرّب الواحد منهم 50 سنة ليكون ملكاً عادلاً، وهو مفهوم «الملك الفيلسوف» الذي يُحسِن إدارة دولته بالحكمة التي تمحو الفقر والمعاناة، وهكذا تَظهر مدينة يمكن أن نسميها المدينة السعيدة التي لا يرى فيها الرائي إلا الخير. في عصرنا الحالي توسَّع معنى الكلمة ليعني مدينة سالمة من العلات والآفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإذا أراد مُصلِح أن يصلح أمته قد يبالغ في هدفه ويحاول أن يحوّل الأمة إلى يوتوبيا، وهذا من المحال ولا شك. ظهرت محاولات لإيجاد المدينة الفاضلة ولو على نطاقٍ أصغر، فظهرت مثلاً جماعات دينية صغيرة تسعى لأن تصنع مجتمعاً فاضلاً سعيداً حسب فهمها لهذا الموضوع، مثل جماعة «شيكرز» التي ظهرت في بريطانيا في القرن الثامن عشر الميلادي التي ساوت بين النساء والرجال في المعاملة وحرّمت التناسل وكان لها بعض القوانين الأخرى الغريبة.. وهناك أيضاً طائفة «هارموني» التي ظهرت في ألمانيا عام 1805م وجعلوا جميع مالهم وممتلكاتهم مشتركة بينهم، ومثل الكثير من الطوائف الصغيرة فهؤلاء لهم معتقدات غير مألوفة وشاذة، فكانوا يرون أن التبتّل أفضل من الزواج لأنهم يظنون أن أول إنسان كان خليطاً بين الذكر والأنثى، وأن جانب الأنثى فيه انفصل ومن هنا بدأت مشاكل البشرية! استمرت هذه الطائفة مائة سنة وانقرضت بعدها، وهذه فترة طويلة جداً بالنسبة لهذه المجتمعات التي عادة تفشل بسرعة. أما اليوم فهناك طائفة تمزج بين النصرانية واليهودية اسمها طائفة القبائل الاثنتي عشرة، تشكلت عام 1972م في ولاية تينيسي الأمريكية ولا زالت مستمرة إلى اليوم، وفكرة هذه الطائفة الدينية أنها تحاول إنشاء مجتمع نصراني يشابه ما كان موجوداً في القرن الأول الميلادي، ورغم هذا فهي تخالف الكثير من المعتقدات النصرانية، وتعتقد هذه الطائفة أننا في نهاية الزمان. كلمة يوتوبيا كلمة يونانية من تأليف الكاتب توماس مور في القرن السادس عشر، وتمزج الكلمة بين كلمتين من اليونانية القديمة، الجزء الأول هو كلمة «يو» وتعني الفاضل أو السعيد، والأخرى هي «توبوس» وتعني المكان، لكن المفارقة هي أن الجزء الأول من الكلمة يُكتب بشكل «أو» وهذه الكلمة تعني في اليونانية القديمة «لا»، وهذا يجعل الكلمة –بدون قصد- تعني «اللا مكان» بدلاً من «المدينة السعادة»، والمفارقة هنا أن هذا صحيح، فلا يوجد في هذه الدنيا ولا يمكن أن توجد مدينة سعيدة فاضلة ليس فيها إلا الخير، فمن أراد مكاناً كهذا فاسم المدينة يشير إليه: لا مكان!. Twitter: @i_alammar