مقولة (لحوم العلماء مسمومة) قالها الحافظ ابن عساكر في كتابه «تبيين كذب المفتري» وابن عساكر، من علماء الإسلام في القرن السادس الهجري، عشتُ معه ومؤلفاته، أثناء رسالتي للدكتوراه، وهو صاحب تاريخ ابن عساكر المعروف، له حضوره، وقبوله، الفاعليْن، في فترته التاريخية الصعبة، والتي شهدت اضطرابات سياسية، لازمها، تصادمات فكرية عصيبة، لا سيما بين أهل السنة والشيعة وغلاتهم الباطنية، وهذا أمر ثابت في كتب علمائنا الأجلاء، المؤرخين الأعلام، كابن كثير، والذهبي، وابن تيمية، وابن الجوزي، وغيرهم كثير جدا، دعونا مع محور مقالنا، الذي يدور حول هذه المقولة المشهورة (لحوم العلماء مسمومة) والتي لم ترقْ، للكثير من أصحاب التصادمات والتراشقات الفكرية، الذين جنّدوا أنفسهم، ضد ما يطرحه العلماء المعتبرين، في شأن بعض القضايا المجتمعية، التي لا تروق لهم، وتوجهاتهم الملتوية، ولعل الهدف من كتابة هذه المقالة من أساسه، التفريق بين العالم المعتبر، والداعية أو الواعظ، وهذا يجرنا إلى، بيان الضابط الحقيقي بين العالم، الذي هو من ورثة الأنبياء بنص الحديث النبوي الشريف، وبين الداعية والواعظ العاديّيْن، اللذين، هما من جملة عباد الله، رغم لزوم الاحترام وتقدير الجهود الدعوية، التي يضطلعان بها، العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، بالتأكيد، ليسوا معصومين، ولم يقل بذلك عاقل، فالعصمة مقصورة على الأنبياء، دون غيرهم، لكن غيرهم من الدعاة والوعاظ، لهم احترامهم، وهذا صحيح، كونهم يحملون علماً شرعياً، ومن هنا اكتسبوا احترامهم المطلوب، لكن الذي أريد التوصل إليه والقول به قولاً واحداً هو (أن كل عالم رباني، داعية وواعظ، وليس العكس) كون الدعاة والوعاظ في أغلب أحيانهم، لا يحملون علوم الفقه، التي تؤهلهم للفتوى، والأخيرة هي أس المشكلة، التي بزغ نجمها في هذا العصر، عصر انفلات الفتوى، لك أن تتابع بعض من اشتهر بأنه من الدعاة المثيرين، في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة «تويتر» لتنظر، من يروج لنفسه، بأنه سيكون في تمام الساعة الفلانية، جاهز للفتيا، والآخر تراه، عبر تغريدة له، يضع رابطا لمجموعة ما أطلق عليها بفتاواه، وهي لا تعدو كونها مواعظ ليس إلا! هذه النوعية نجدها في الغالب، تستهوي إطلاق هذا الوصف على مواعظها، مجموعة الدعاة والوعاظ، فيهم إن شاء الله خير كثير، ولا يمكن غبطهم حقهم، لكن القيامة تقوم ولا تقعد عندما يتسلقون جدار الفتيا -الذي حددنيانه ولي الأمر- ويتم الإنكار عليهم، أعضاء هيئة كبار العلماء أو من يراه ولي الأمر مؤهل لهذا الجانب، هم من العلماء المعتبرين، والمقصودين، بمقولة الحافظ ابن عساكر رحمه الله، وهم الذين يجب التوقف عن النيل منهم، أو الاستهزاء بهم، وبعلمهم، كون ذلك يحط من مكانتهم أمام العامة، ويُستمرأ الحديث عنهم، بما ليس هو لائق بقيمتهم، مما يفقدهم المصداقية في المجتمع، وتضيع هيبتهم،ويمهد لاختلاط الحابل بالنابل، وتتاح الفرصة للرويبضات، أن تطل برأسها من مخابئها، أما غيرهم من الدعاة والوعاظ، فليسوا من العلماء، الذين هم ورثة الأنبياء، ويجب التوقف عند هذا الحد، وعدم تجاوزه، صورة واحدة تكفي للوقوف أمام حالة تقديس أحد الدعاة -وأظنه إن شاء الله لا يرضى بذلك- وهو من قُلدت شخصيته في أحد البرامج في إحدى القنوات الفضائية، محل الجدل، ومع أني ضد هذا التوجه من أساسه، بغض النظر عن الداعية المُقلّد أياً كان، لكن الدفاع المقدس عنه في تويتر في غالبه، هو ذاك المثير، يقول طبيب نفسي معروف بأفكاره المضطربة، أن ما قامت به القناة ذاتها تجاه هذا الداعية، هو نيل من ورثة الأنبياء، عند علمي بذلك واطلاعي عليه، قلتُ بنفسي، أينك يا أبا حنيفة النعمان رحمك الله؟ لترى نسخة مكررة -بيننا اليوم- من مريدك، أراد هذا الطبيب، أن يضع هذا الداعية، التي قلّدته القناة، في برنامجها، ضمن قائمة ابن عساكر صاحب (اللحوم المسمومة) يا للعار، ألهذه الدرجة نرى انحطاط الثقافة الدينية لهذا الطبيب؟! وما تمتعض له وتكرهه، ديانة، ما تقوم به، بعض القنوات القضائية الربحية، مهما كان موقعها، من إساءة أو استهانة، بشخصية من شخصيات المجتمع، مهما كان لونها، تستدر بها الأموال، والضحك، وإفساد الأخلاق، وإن كان بعض الدعاة وأهل الفن يستهويه هذا الجانب، لغرض في نفس يعقوب، يجسد ذلك ما تطالعنا به الصحف المحلية، بين الفينة والأخرى، من أن القناة الفلانية، أوالصحيفة العلانية، أو شركة اتصالات معينة، وقّعت عقداّ مع الداعية الفلاني، إما من أجل، ما أسموه بالفتاوى، أو إظهار صورته مع إعلان تجاري، أو من خلال برنامج تلفزيوني، وهذا أمر جلي، كل ما تقوم به وسائل الإعلام التجارية من هذا القبيل، أمر مرفوض ومستقبح، المهم أن نتنبه، لأولئك الذين يستغلون الدين، ويتدثرون به، لتحقيق أهداف شخصية دنيوية على حسابه المقدس، وبالطبع ينطبق ما قلناه بالتمام، على الآخرين، من الرياضيين، وأهل الن، لكن المسألة تكون في جانب، ما له علاقة بالدين، أعظم وأشد بلاءً وإيلاماً، وأخشى أن يكون هؤلاء جميعاً، من أصحاب اللحوم المغشوشة، تبعاً لأفكارهم ورغباتهم المقلوبة، ومما ينبغي الإشارة إليه، أن هذا المقال، ليس موجهاً لشخص بعينه، بقدر ما هو، لكل صاحب هوى، يستغل جناب الدين بالذات، استغلالاً مشيناً، يكون تكأة للساخرين منه، ومن أهله الخلّص، وخاصة، العلماء المعتبرين، من أهل الذكر(العلماء) الذين هم في الحقيقة الشرعية الثابتة (ورثة الأنبياء) التي عنتهم، قائمة ابن عساكر رحمه الله.. ودمتم بخير. [email protected]