ما أكثر ما كتبت في هذه الجريدة وغيرها عن شريحة من الدجالين والمشعوذين والرقاة ومدعي المشيخة وتفسير الرؤى والأحلام، وركِّز - إن شئت - على الصنفين الأخيرين. قلت في مقالاتي الكثيرة عن هذين الصنفين بالأخص إنهم استغلاليون من (الدرجة الأولى)، وأكثر ما يؤلمك استغلالهم للدين، وهذه (أم المهالك وأبوها). نعم، هي التي قادت هؤلاء وأضرابهم إلى الثراء والطغيان الفاحشين، وفي المقابل قادت أتباعهم إلى الهوس بهم وتقديسهم والدفاع عنهم مهما بلغ الثمن على حين غفلة من التابعين. إي والله (تويتر) على وجه الخصوص كشف سوءة هذين الصنفين، ومعهم أتباعهم المساكين المخدوعون بهم. مجتمعنا مجتمع مسلم ومؤمن وخيِّر بالفطرة، يحب الصالحين وأهل الخير والصلاح والعلم والفضل، لكن مصيبتنا في البعض من هؤلاء الاستغلاليين، أياً كانوا من أي صنف (الفن، الرياضة، الدين،السياسة، الطب النفسي...)، وبالأخص من أشرت لهم، ممن طغى حبه للشهرة والمال فوق السطح، وطفق كالمخبول، خلع ثوب (السمت والوقار) كي يُقال إنه شخص بسيط ومتواضع. وأكثر هذه الأصناف - أقولها وأنا أتأسف وأتحسر - من لبس ثوب الدين، وسمى نفسه بالداعية أو الواعظ أو الشيخ أو مفسر الرؤى والأحلام أو الراقي، وطار به الركبان العميان. بعض هؤلاء، خاصة من اشتهر منهم ورفع الإعلام - وخاصة قنوات المال والدجل - عقيرتهم، هم الذين أحدثوا البلبلة والهرطقة داخل المجتمع، هم الذين التصق بهم الاستغلال المادي، وحب الشهرة، بل منهم بالفعل من وقع في فخ شراك هذه المنعطفات الخطيرة، ووقع ضحيتها الكثير من السذج المهووسين في حبهم وولائهم الأعمى لهم. موسم حج هذا العام 1433ه صار مرتعاً خصباً لبعض هؤلاء الدعاة، ممن جرى في دمه حب الشهرة والمال، وبات اسمه لا يفارق (تويتر) وهو محرم حاج، لم يكفه هرطقته في مواقع التواصل الاجتماعي، إن كان في مناسبة أو في محاضرة أو في زيارة، أو.. أو.. أشار في حسابه لذلك، بل استغل موسم هذه العبادة للترويج لذاته ليس محلياً، لا، بل يريد هذه الصفقة أن تكون عالمية، واأسفاه، امتطى صهوة حصانه الناري وهو محرم في المشاعر المقدسة، ووقف مبتسماً للمصور وهو يلتقط له الصور، ولسان حاله يقول التقط أكثر؛ لتطير بها وسائل الإعلام المفتونة به، التي تروج له، أو التي تريد أن تستخدمه أداة ضغط غير محسوبة الجانب. ركوب الدراجة النارية ليس عيباً في ذاته، ولا حتى استثنائياً؛ الكل يركبها في مثل هذهالظروف الصعبة، لكن عملية التصوير، و(يا ناس شوفوني)، عند هذا المشهد توقف! وابدأ تفسيراتك وأكثر من التساؤل! أمثال هذا الداعية كثر في (تويتر) سئمنا من تغريداتهم الممجوجة، التي لا تعدو كونها تروِّج لذوات أصحابها، أين هؤلاء من زهد السلف والتابعين إن كانوا صادقين؟ أين هم من زهد علماء هذه البلاد المعتبرين؟ أليس حرياً بهؤلاء المفتونين بأنفسهم أن يكون هؤلاء الأعلام قدوة لهم؟ دعاة ووعاظ همهم الأول تلميع ذواتهم وزركشة مظاهرهم، اللوم ليس على هؤلاء بقدر ما هو على الأتباع، الذين طاروا بهم، ورفعوا من منازلهم حتى قدسوهم، وأدرجوهم في قائمة ابن تيمية وابن الجوزي على غفلة، فصدق هؤلاء الكذبة، وهم من تفضحهم فلتات ألسنتهم، وتغريدات أقلامهم المبطنة. قَلّ من تجد من هذه الشريحة من يسير على وتيرة واحدة في منهجه، بل تجده مضطرب الأقوال والتوجهات، والمثل الشعبي المعروف يقول (العود على أول ركزه). مدمن الخمر والمخدرات (صعيب عليه) الإقلاع عنها إلا من هداه الله ورحمه وقويت عزيمته. والبعض من هؤلاء المهرطقين تعلم أنهم أصحاب توجهات فكرية مصادمة (سابقة)، أبت توجهاتهم أن تقلع عنهم بالكلية، بل تشعر بها وهي تدغدغ مشاعرهم. حكمي على هؤلاء، ليس كحكم الشافعي على أهل الكلام، بقدر ما هو تنبيه لتحسس هؤلاء والحذر منهم وتحذير الأتباع الرعاع من سطوتهم، ولا أتصور أن يستفيد المجتمع من أفكارهم، طالما أنها بهذا المفهوم المقلوب. عقيدتي تكره استغلال الدين واستغلال المشاعر المقدسة في المواسم والمناسبات الدينية الكبيرة أو الظروف السياسية الصعبة، وهي ما يطل بها هؤلاء بفقاعاتهم وهرطقاتهم للترويج لذواتهم بين العوام من الناس، كما حالة صاحب الدباب! وحالة صاحب الزيارة المعروفة! شبابنا عقولهم غضة، خطفتهم سهام هؤلاء الدعاة والوعاظ المنمقة من علماء الركب المعتبرين الذين وثقت الدولة في علمهم ورجاحة عقولهم. نعم ثمة سبب رئيس خلف هذا الاستغلال المريض والاستحواذ على هذه العقول الغضة، هو في نظري تلكم الدروس والمحاضرات المقصورة دعواتها على هؤلاء الدعاة والوعاظ، الذين يظنون أن على رؤوسهم الطير في التعامل، وابتعدت الحال عن العلماء المعتبرين، وقد تكون سرعة تجاوب هؤلاء الدعاة والوعاظ وتباطؤ هؤلاء العلماء المعتبرين من الأسباب الداعية لالتفاف العامة حول دعاة الشهرة والمال محل هذا المقال. فالحذر الحذر من دعاة ووعاظ ومشايخ الشهرة والمال على وجه اصوص، خاصة من افتتن منهم بموقع (تويتر)، ومن غالبية مفسري الرؤى والأحلام، الدجالين، مصاصي الجيوب، ومطلقي النساء من أزواجهن، ومن بعض الرقاة المتوجسين، فضلاً عن الدجالين الكفرة الفجرة من السحرة والمشعوذين. ووصيتي للشباب من الجنسين بمتابعة وحضور دروس ومحاضرات مشايخنا وعلمائنا المعتبرين، الكبار بعلمهم وسمتهم وتواضعهم، والاستماع إليهم عبر الوسائل المتاحة، وهم الذين نالوا ثقة الدولة، هم العلماء الزهاد الحقيقيون غير المزيفين، هم من تلقى المجتمع علمهم ونصحهم وتوجيههم بالقبول، فقط هم ولا غير، لمن أراد سلامة فكره.. ودمتم بخير. [email protected]