لعل ما قامت به جامعة الملك سعود بتوظيف تكنولوجيا الزراعة الدقيقة مؤخراً -ولأول مرة في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق زراعة مستدامة وحفظ للبيئة الزراعية بالمملكة- هو أمل جديد وفكر مستنير لتحقيق التطوير المطلوب للقطاع الزراعي بما يعالج مشاكل هذا القطاع ويحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في المستقبل، حيث أقامت الجامعة مشاريع بحثية كبيرة في تكنولوجيا الزراعة الدقيقة وتعتمد على تطبيق المدخلات الزراعية مثل البذور والمياه والأسمدة والمبيدات بالكميات المناسبة في الوقت المناسب وفي المكان المناسب وبطريقة صحيحة، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية الزراعية وتطبيق ذلك في قريتين في منطقتي حرض والخرج. والزراعة المستدامة كما يعرفها الخبراء في المجال الزراعي تعني القدرة على استمرار الانتاج مع الحفاظ على الموارد الطبيعية وهي الزراعة القادرة على ادارة الموارد بشكل ناجح لتلبية الحاجات البشرية المتغيرة مع صيانة وتحسين اليبئة والموارد الطبيعية والمحافظة على سلامتها. وكما عرفتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة فإن الزراعة المستدامة تعني نظم الخدمة والصيانة والمحافظة على المصادر الطبيعية مع الاستفادة من تطويع وسائل التكنولوجيا الصناعية لتحقيق احتياجات الإنسان حالياً والأجيال القادمة. ولذلك فإن الزراعة المستدامة بفكرها واستراتيجيتها هي الأمل والحل لمشاكل الزراعة للمضي قدماً نحو الاكتفاء الذاتي مستقبلاً. ولتحقيق التطوير المطلوب في تحقيق الأمن الزراعي في المملكة أعدت وزارة الزراعة منذ فترة استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة في المملكة حتى عام 2030 بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).. وهذه الاستراتيجية تتضمن عدداً من الأهداف أبرزها تحقيق الاستخدام الكفء والمستدام للموارد الزراعية والطبيعية، وبخاصة مورد المياه وتطوير ادارة الموارد المائية من خلال ترشيد استخدام المياه في الزراعة ورفع كفاءة الري. كما أن سياسة وزارة الزراعة تعتمد على تشجيع وتنويع الانتاج اللذين يؤديان إلى الحد من زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك العالي من المياه نظراً لمحدودية الموارد المائية في المملكة وهي أحد أهم وأكبر التحديات التي تواجه التنمية الزراعية والاقتصادية والاجتماعية. ولذلك توجه الوزارة إلى انتاج المحاصيل التي تميز الانتاج الزراعي في المملكة وذات عائد اقتصادي جيد واستهلاك أقل من المياه. وأعتقد أن على المواطن دور في ترشيد استخدام المياه في الزراعة ورفع كفاءة الري من خلال التوسع في استخدام التقنيات والأنظمة الزراعية الحديثة من خلال الزراعة بالبيوت المحمية وأنظمة الري الحديثة. وبعد أن كانت المملكة تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح قاربت الثلاثة عقود من الزمن إلا أنها تناقصت منذ ما يقارب الخمس سنوات حتى وصلت إلى 50% نتيجة اتباع سياسة ترشيد استهلاك المياه والتوجه نحو الاستيراد والاستثمار الزراعي الخارجي لتأمين الاحتياجات من الحبوب وخاصة القمح.. وفي المقابل حققنا الاكتفاء الذاتي من التمور وبعض الخضراوات الطازجة مثل البطاطس والباذنجان والخيار والبطيخ والباميا، والاكتفاء من بيض المائدة والحليب الطازج ومستويات جيدة من لحوم الدواجن والأسماك والفاكهة. ولعل مركز أبحاث وتطوير الزراعة المستدامة يقوم بدور مهم في خدمة القطاع الزراعي عن طريق اجراء الدراسة والأبحاث العلمية التطبيقية ونقل التقنية الحديثة ومتابعة كل ما هو حديث في مجال الزراعة والاستفادة من الخبرات والتجارب الدولية في هذا الشأن، ونظراً لأن هذا المركز يضم مجموعة من المختصين ورجال الدولة ورجال الأعمال فهو يأخذ على عاتقه الوصول بالوضع الزراعي في المملكة إلى أفضل حال دائماً.. بتطوير القطاع الزراعي الذي يعد من القطاعات التنموية الرائدة في المملكة الذي حقق على مدى عقود قفزات تنموية كبيرة ساهمت في تحقيق جزء من الأمن الغذائي لمختلف السلع الاستراتيجية. ولذلك كله فإن دور هذا المركز مهم جداً لتحقيق الرسالة في توفير بيئة محفزة وجاذبة للبحث والتطوير في مجال الزراعة المستدامة لمواجهة الاحتياجات المستقبلية. وأخيراً فإن المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية أعدت قبل خمس سنوات استراتيجية للتنمية الزراعية المستدامة حتى عام 2025 وتتضمن في أبرز محاورها إدارة وحماية وصيانة الموارد المائية وتنمية الموارد الزراعية والتطوير والتحديث التقني وتشجيع الاستثمار الزراعي العربي المشترك وتنشيط التجارة الزراعية العربية وتحفيز القطاع الخاص للمشاركة في برامج ومشروعات التنمية الزراعية.. ويبقى ذلك مرهوناً بالتفعيل على أرض الواقع.