الحديث عن التعليم، ودوره في تأسيس الخبرات، والثقافة المعرفية، والعامة، حديث يطول، يتشعب، وذو شجون، وشؤون، وحسرة، ونظرة،.. وكل معطوف في أبجدية السؤال..! الشابات انبرين يتساءلن لماذا لا يشجعوننا على القراءة ونحن نريد..؟ واحتدم النقاش، وأدلى الجمعُ كلُّ فردٍ بما عنده.. وخرجن وصدورهن تضطرب من فرط الأشواق للقراءة، والقراءة، والقراءة.. ولكن كيف تنمو مهارة القراءة، ويتمرس الناشئ عليها، فلا يكبر ولديه صعوبات في التعود على الجلوس للكتاب، وعسر عن التأمل في المضمون، وعلى الاستيعاب المثمر، ومن ثم العجز عن فتح منافذ الأفكار، وبسط المخيلة لتحلق طيورها، وتثمر أشجارها، فلا يكون..؟ كيف تنمو الملَكَات، وتتسع الخبرات، وفي المدرسة ليس هناك مكتبة عامرة، ولا جدول للقراءة فيها..؟ بل كثيراً ما كانت تخبرني طالبات الدراسات العليا، والدبلومات التربوية، وأكثرهن ذوات خبرة في التدريس، والإدارة بأن نظام المدارس لا يسمح للطالبات بتداول الكتب الثقافية، والأدبية، ونحوها في المدرسة.. ناهيك عن فراغ المدرسة من رف كتب واحد..!! مع أن المدارس التي كنّا نتلقى فيها التعليم الابتدائي، وفي مدينة الرياض، كانت تخصص للمكتبة مكاناً، وللقراءة حيزاً زمنياً في منهجها..، جيلنا أكثر سعادة منهم..، إذ كانت لنا حصتان في الأسبوع للقراءة، وموعد مع معلماتنا في حصتين أيضاً في الأسبوع لمناقشة ما قرأناه، وتنشر صحيفة المدرسة ملخصات ما نكتبه عمّا نقرأه، والإذاعة المدرسية تفسح لنا قراءة ما تختاره زميلاتنا مما يروق لهن من الملخصات حين نحصد الكثير من التشجيع خلال حوارنا عمّا نقرأ،.. وتغير الحال شاسعاً..، فبدل أن يتجه النظام التعليمي لتطوير المكتبات المدرسية، وتخصيص ساعات للقراءة، والتدريب على الكتابة عمّا تتم قراءته من قبل الدارسين بنوعيهم، فإنَّ المدارس لا تعنى بالقراءة، وتكتفي بتلقين محتوى المقررات، وبما هو خارجها.. وعليه، علينا ألا نحتار في الإجابة عن أسباب تأخر مستوى الثقافة، وتدني مهارات القراءة، والنقد، والحوار، والتعبير عن الذات.. والوعي بها.. ذلك لأن المدرسة لا تعنى بالعناصر البشرية التي هي جزء أساس ومنصوص عليه في سياسة التعليم.. إن المدرسة بوتقة لمن يدري كم هي عصب الحياة، ومقودها..!! بل السفينة في بحرها..! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855