خلال زيارتي الأخيرة إلى بولندا، وجهت لي والزملاء سعد الشهري من الجزيرة وبدر القحطاني من الشرق الأوسط دعوة زيارة من تيريزا كامنيىسكا، رئيس المدينة الاقتصادية، في سوبوت، وهي مدينة شمالية تقع على بحر البلطيق. المدينة التي زرناها هي أحد المدن الاقتصادية التي أنشأت في جميع أنحاء البلاد بعد انتقالها من النظام الاشتراكي إلى السوق الحرة عام 1990م. بعد حضور سلسلة من العروض التقديمية، أذهلني كم الإبداعية والتنافسية التي بلغوها لجذب الاستثمارات الأجنبية. كما عجبت لقدرة الشعب البولندي على إعادة البناء والقدرة على التحول من نظام اقتصادي إلى عكسه بأقل قدر من الخسائر والمعاناة. فبولندا دمرت تماماً بعد الحرب العالمية الثانية من ألمانيا أولاً ثم من روسيا، واحتلت من البلدين، ومع ذلك فقد أعادت بناء عاصمتها وارسو وبقية مدنها كما كانت قبل الحرب وأفضل. وعندما تحررت من المعسكر الشيوعي الذي دمر اقتصادها سبقت أقرانها في أوروبا الشرقية إلى استعادة عافيتها والانتقال بتصميم وسلاسة إلى النظام الرأسمالي وعضوية الاتحاد الأوروبي. ولعلها أفضل الناجين حالاً بعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 والانهيارات المالية الأخيرة في منطقة اليورو، فقد حققت نمواً في الناتج المحلي العام الماضي بلغ 2%. قلت للمسؤولين البولنديين الذين التقيناهم، ومنهم جيرزي بومياننسكي، نائب وزير الشؤون الخارجية، وتوماش اوستازيوكز، مدير إدارة التعاون الاقتصادي الدولي بوزارة الاقتصاد، والبروفيسور رومان كوزنيار مستشار الرئيس البولندي للشؤون الدولية، وبوجدان بوروسيفيتيش، رئيس مجلس الشيوخ، أن بلدكم لديها خبرة يمكننا أن نتعلم منها في العالم العربي. فكثير من بلدان العالم العربي اليوم تمر بما مرت به بولندا، فقد خرجت من تحت مظلة الاستعمار، وكوارث الحروب العالمية، ودمرتها الإدارة الاقتصادية السيئة والحكم الديكتاتوري، وتعيش اليوم تحديات ما بعد الثورة. كيف تستطيع هذه البلدان الانتقال بسلاسة وبأقل قدر من المعاناة إلى حكم رشيد واقتصاد منتج؟ هذا هو السؤال اليوم، وبولندا لديها الكثير من الخبرة للمساعدة في توفير إجابات وحلول - وستجد قبولاً أفضل من غيرها لدينا لأنها ليس لها تاريخ استعماري قبيح مع العالم العربي. خلال جولتنا في المدينة الاقتصادية، وجدت أن بعض المستثمرين الجدد حصلوا على ما يصل إلى 70% من تكلفة المشاريع كدعم حكومي. ذلك أن المشروع الذي يكلف عشرة ملايين يورو مثلاً يكلف المستثمر ثلاثة ملايين يورو فقط من رأس المال. أما الباقي فيحصل عليه على شكل أراض وتخفيضات ضريبية ومساعدات وقروض نقدية ميسرة. كيف يمكن مقاومة مثل هذه الحوافز؟ لدينا الكثير لنتعلمه في هذا الصدد. وأتمنى من إدارات المدن الاقتصادية في الجبيل وينبع، وفي رابغ وجازان وحائل وبقية المدن استنساخ بعض هذه التكتيكات، فبدلاً من أن تنتظر المستثمرين عليك أن تبحث عنهم وتدعوهم وتشجعهم، ثم تدعمهم وتتابع تطورهم. والأهم من ذلك، عليك الوفاء بوعودك لهم. اقترحت على مضيفي زيارة مدننا الاقتصادية، وخصوصاً مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. ورحبوا بالفكرة وطلبوا معلومات الاتصالات، فقدمتها لهم بكل سرور. واقترحت نفس الاقتراح على سفيرنا المتحمس وليد رضوان، فوعد بدعم الفكرة، وقال: «لدينا مجلس الأعمال السعودي البولندي المشترك في الرياض ومجلس الأعمال السعودي البولندي في وارسو والذي زار الرياض في بداية عام 2012 وآمل أن تتم زيارة رجال الأعمال السعوديين لبولندا قريباً -بإذن الله-، فهي بلاد واعدة وحجم التجارة الحالي لا يمثل ولا شيء بسيط من الممكن والمتاح». المملكة لديها الكثير لتقدمه، كما قلت لمن التقيت بهم من المسؤولين البولنديين ومديري الشركات، ويوافقني على ذلك سفيرهم لدى المملكة فيتولد سميدوسكي. فلدينا الاستقرار والأمن والطاقة الرخيصة، وأكبر أسواق المنطقة العربية، كما لدينا مدن صناعية حديثة ومتطورة، ومواصلات واتصالات عالمية. مدننا الصناعية والاقتصادية، وخاصة في الجبيل وينبع ورابغ، في ضواحي المدن الرئيسية، توفر الأراضي والقروض والطاقة الرخيصة للمستثمرين. ومعظم السكان متعلمون وتحت سن الثلاثين، وبعضهم درس في أفضل الجامعات العالمية. ومكانتنا المالية والمصرفية تضعنا بين أكبر 20 اقتصاد في العالم - G20. ومثل بولندا، تمكنت المملكة من تجاوز أسوأ ما في الأزمة المالية العالمية عام 2008، وواصلت مسيرة التنمية والتقدم. هي اليوم تزدهر بالمشاريع الكبرى التي تدعو إلى الشراكة مع الدول لمتطورة، كبولندا. [email protected]