لو سألتم أي عالم من علماء الآثار: ما أهم حدث أثري في القرن العشرين؟ فسيقول كل منهم بلا تردد: اكتشاف قبر الفرعون توت عنخ أمون. كلمة «فرعون» صارت تُطلَق على أي من ملوك مصر القدماء، ولو أننا قفزنا التاريخ للخلف وعشنا في عصر توت عنخ أمون -والذي يُعتَقَد أنه مات مُغتالاً بضربة على رأسه- أو في العصور التي تَلَتْه لاستغربنا من إصرار علماء الآثار على الانبهار باكتشاف ضريحه، فقد كان مَلكاً عادياً لا أثر له ولا أهمية مقارنة ببقية الفراعنة، حتى أنه نُسِي تماماً واندثر اسمه من السجلات بعد فترة وجيزة، ولاسيما وأنه تولى الحكم ومات صغيراً، فلم يكن كمن حكموا عشرات السنين وشيّدوا لأنفسهم التماثيل والأهرام، ولكن لضريح توت عنخ أمون عدة أسباب تجعله من الأهمية بمكان، منها أن بقية الفراعنة نُهِبَت كنوزهم بعد دفنهم، ذلك أن كل ملوك مصر القديمة يُدفَنون مع ما ملكوه من كنوز وجواهر وذهب –وكان من دينهم أن الذهب هو جسم الآلهة- وكانوا يظنون أن تلك الأموال سترافقهم للحياة الأخرى، إلا أنه مهما احتاط الدافنون وموّهوا القبر فإن اللصوص ينبشون القبور ويسرقون تلك الأموال العظيمة، ولهذا وجد المستكشفون الأثريون مومياءات عدة فراعنة وقد اختفت كنوزها تماماً، أما توت عنخ أمون فهو حالة أخرى، حيث إنه لما عثر عليه هاوارد كارتر وجد مومياء الملك مع ماله، ولو وجد المومياء وحدها لكان هذا حدثاً عظيماً فكيف بتلك الكنوز كلها؟ لما فتح هاوارد قبر الفرعون كاد بَريق الذهب يعمي بصره، والمتحف المصري اليوم فيه جناح كامل من آثار أمون، وهناك المزيد في القبو، وهذه كلها ليست إلا جزءًا بسيطاً مما استخرجه كارتر على مدى عشر سنين من آثار لا تكاد توصف من كثرتها وقيمتها، ولو أنها جُمِعَت كلها ووضعت في متحف ضخم في مدينة غربيةكبيرة لعبّأت الآثاركل المتحف تقريباً، فتأملوا الثروة العظيمة والمُلك العالي الذي وصل له ملوك مصر القدماء، فهذه كنوز ملك منسي صغير السن والشأن لم يُلقَ له بال فكيف بكنوز غيره؟! وما زاد الاكتشاف تشويقاً هو أن كارتركان الوحيد الذي أصرّ أن قبر توت عنخ أمون موجود، وغيره شككوا في هذا وسألوه لِمَ لَمْ يوجد اسمه في سجلات المؤرخين المصريين القدماء، وكارتر قال: إن السبب هو كثرة الفتن والحروب الداخلية آنذاك مما شتت المؤرخين وأوهن جهودهم، وظل خمس سنين وهو يبحث ويفشل، يجد موقعاً فيفرح وينقّب فيه فلا يجد شيئاً ويظهر هذا الفشل في الصُحُف متبوعاً بشماتة المشككين، وظل على هذا المنوال حتى أتى ذاك اليوم من عام 1922م والذي أعاد كتابة تاريخ الأثريات. لفترة طويلة ظن الناس أن الملك الشاب مات مقتولاً بضربة على رأسه بسبب صور الأشعة التي أظهرت أثراً في جمجمته، لكن مؤخراً بدأت هذه القصة تفقد احتمال رجوحها خاصة وأننا عرفنا أن المكتشفين تعاملوا ببعض الشدة غير المقصودة مع جثمان الملك مما أحدث آثاراً قد يكون أثر الجمجمة منها، وفي عام 2005م أخذوا صور أشعة مقطعية ورأوا جرحاً غائراً في ساق الملك يعتقدون الآن أنه جرح تطور إلى عدوى قاتلة، وكانت العدوى من أسباب وفيات الناس الشائعة آنذاك، لكن كلها توقعات ولا شيء أكيد. أما الأكيد فهو أن هذا الملك – على صِغر شأنه – كان ثورة في علم الآثار، ولا زال قناعه الذهبي الشهير يثير الانبهار لعشاق التاريخ والماضي. Twitter: @i_alammar