لماذا يعمل بعض الناس جاهدين لكي يفشلوا، في حين أن نجاحهم قد لا يتطلب إلا أقل ما بذلوه من جهد ووقت؟ الجواب عن ذلك، أن من بين الغرائز التي تتحكم في البشر غريزة تدفعنا إلى الكسل والفشل، فكلما كان على المرء أن يسير عشر خطوات إلى الأمام مثلاً، أحس بقوة خفية تدفعه إلى الوراء عشرين خطوة، وتملي عليه عشرات الأعذار لتبرير هذا التقهقر العجيب. وقد يبدو الحديث عن هذه الغريزة أمراً جديداً عند الكثيرين، فعلماء النفس قلما يتحدثون عنها، مع أنها من أخطر الغرائز وأكبرها أثراً في حياة أكثر الناس. ولو أن كل إنسان فطن إليها قبل أن يجرفه تيارها، لاستطاع مقاومتها وتحويل الطاقة التي ينفقها فيما يضره ولا ينفعه إلى أغراض أخرى تنفعه ولا تضره. قلما يفطن المرء في شبابه إلى أعراض هذه الغريزة ووساوسها، ذلك أنه يعزو قلة إقباله على العمل إلى أنه لا يتفق مع ميوله ورغباته، أو إلى أنه التحق بالوظيفة التي يشغلها، مضطراً لكي يعيش، دون أن يدرك أن العلة الحقيقية تكمن في وقوعه تحت تأثير هذه الغريزة التي تغشي بصيرته، فلا يعود يرى الآفاق البعيدة التي كان يحلم بها والتي يسعى إليها اخوانه الناجحون في عزم وثبات. فإذا استطاع أن يحصل على دخل متواضع وقدر من الاحترام والتقدير من زملائه ورؤسائه، حسب أنه ظفر من الدنيا بنصيب الأسد، وقنع بما هو فيه، قاصراً جهوده على ما تتطلبه منه وظيفته من جهد يسير، لا يتفق والقوى الهائلة التي تظل مطمورة في أعماق نفسه. يقول دايل كارنيجي في كتاب (كيف تكسب الثروة والنجاح والقيادة؟): إن ضحايا غريزة الفشل لا يقدّرون قيمة الوقت ويقضون أيامهم عادة كما لو كانوا سيعمرون آلاف السنين، فكم من الناس ينامون من ساعتين إلى ست ساعات كل يوم أكثر مما تتطلبه أجسامهم كي يكونوا أصحاء. وكم منهم ينفقون وقتهم الذهبي بغير حساب في المقاهي والملاهي وما إليها، مخادعين أنفسهم بأن هذه الحياة التافهة العقيمة هي السعادة والنعيم. إننا جميعاً نشغل جانباً من أوقاتنا في الاسترسال في الأحلام، فنحن نحلم في الصحو وإبان النوم بوظائف وأعمال ومراكز نحس فيها بأننا أسعد مما نحن في حياتنا الواقعية، والفاشل يجد متسعاً من الوقت للاسترسال في هذه الأحلام، فتتراءى له حياته في صورة مثالية لا عيب فيها ولا يستطيع أحد أن ينتقده عليها. هذا إلى جانب أنه يجد في كسله وخموله تخلصاً من متاعب الكفاح ومنغصات العمل وما يتبع النجاح دائماً من مضايقات. إن مما لا شكّ فيه أن لذة النجاح بعد الجهد الكبير، تفوق لذة الكسل بكثير، بل يمكن القول بأن المتعة التي يحسها -في لحظة- من يصل إلى أي هدف له - مهما تكن قيمته- تفوق المتعة التي يحسها الكسلان الفاشل طوال حياته، إذا فرضنا أن استمتاع الكسلان بكسله سيستمر ولا ينقلب بعد حين إلى هم وتنغيص. إننا نتلقى دروس الحياة عن طريق التجربة، فإذا اخفقنا في أداء عمل ما، حاولنا أن نؤديه بطريقة ثانية وثالثة حتى ننجح في أدائه. ولكن ذكرى الاخفاق في هذه المحاولات وما يتبعها من سخرية الناس أو تأنيب أو خسارة أو جرح في الكرامة، تظل كامنة في عقلنا الباطن وتحول دون القيام بمحاولات مماثلة. وقصارى القول: إننا لكي ننجح في الحياة، ينبغي أن نتحكم في غرائزنا ونسيطر على نفوسنا ونعرف متى وكيف نلجمها ونكبح جماحها. - المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية