عبَّرت شخصية العام الثقافية ومُكرَّمة الجنادرية «28» الدكتورة ثريا عبيد - عضو مجلس الشورى - عن اعتزازها بهذا التتويج الكبير، معتبرة إياه تكريماً للمواطن السعودي حيثما عمل وأنتج وأثمر لدينه ووطنه وثقافته. وأكدت د. ثريا أن المرأة في بلدنا تستحق التكريم من زمن بعيد، لأنها لم تتوقف عن العطاء، مضيفة: ما يأتي في وقته يصبح مقبولاً اجتماعياً.. مبينة أنها ترى المرأة في وطننا الحبيب مواطنة مكافحة في كل التزاماتها الأسرية والمهنية والعامة، فهي تكثف جهودها في كل ما تلتزم به. وقالت مُكرَّمة الجنادرية «28» إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - وعد بدخول المرأة مجلس الشورى، ووفَّى بوعده في الزمان المحدد لذلك.. معتبرةً أن هذا القرار بأهمية قرار الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - بتعميم تعليم البنات.. حيث فرح الكثيرون بالقرار في ذلك الوقت وذمَّه القليل، لكنه بحكمته جعل القافلة تسير والآن القافلة تسير مرة أخرى بحكمة خادم الحرمين الشريفين.. فإلى تفاصيل الحوار: * كيف ترى الدكتورة ثريا عبيد تكريم «الجنادرية 28» لها.. وللمرأة السعودية بصورة عامة؟ - هذا التكريم لي شخصياً فخرٌ كبير، لأنه يعني معنوياً تكريم المواطن السعودي حيثما عمل، محلياً، عربياً أو دولياً.. فخدمة الوطن واجب حيثما تواجد المواطن السعودي.. كذلك أرى أن هذا التكريم ليس لي كفرد، ولكن لكل امرأة في هذا الوطن، بل تسجيل لها كمواطنة ساهمت في بناء وخدمة الوطن من خلال أسرتها وعملها ومواقع تواجدها. إنه تسجيل للتاريخ لمواطَنة المرأة السعودية، لها ما عليها من واجبات، ولها ما لها من حقوق مثلها مثل أخيها المواطن.. وبذلك يأتي تكريم المرأة في بلدنا تأكيداً لدورها الفعلي ومساهمتها في تقدم المملكة. * ماذا عن تأخُّر تكريم الجنادرية للمرأة السعودية خلال الأعوام الماضية؟ - كل ما يأتي في وقته يصبح مقبولاً اجتماعياً، وإن كانت المرأة في بلدنا تستحق التكريم من زمن بعيد لأنها لم تتوقف عن العطاء، بغض النظر عن موقعها الاجتماعي أو التعليمي أو الاقتصادي أو الجغرافي أو القبلي، فعطاء المرأة لم يتوقف منذ الخليقة وهذه إرادة الله سبحانه وتعالى. * ما الذي بقي للمدينة المنورة من مساحة في ذاكرة الأممية ثريا عبيد؟ - بالنسبة لي المدينةالمنورة هي بلد الرسول عليه الصلاة والسلام، وبها يجد الإنسان السماحة والطيب والطمأنينة.. وهي كذلك المدينة حيث رأى والدي السيد أحمد عبيد ووالدتي عائشة الخطيب نور الحياة، وهي المدينة التي احتضنهما ثراها عندما اختارهما الله ومعهما أخي إبراهيم وأخي عصام - رحمهم الله - جميعاً. * كيف ترى ثريا عبيد - المهمومة بشؤون المرأة في مجمل مسيرتها العملية - واقع ومستقبل المرأة السعودية؟ - هموم المرأة هي هموم المجتمع عامة، رجالاً ونساءً، ليس فقط في بلدنا ولكن في كل بلاد العالم، والفرق بينهم هو الفرق في درجات المعاناة ودرجات وقدرة المجتمع على التفاعل مع التحديات التي تقف في طريق تحقيق المرأة لإنسانيتها. وقالت: الفرق هو في وسائل عملية لتحقيق الكرامة التي منحها الله للإنسان عامة - ذكراً وأنثى - على السواء.. لذلك تأتي هموم المجتمع في بلدنا متشابهة في بعض الأمور لأختها في دول أخرى، إسلامية وغير إسلامية، وتتفوق عليها في أمور أخرى من خلال حقوقها التي يمنحها لها الله في كتابه الكريم.. ولكن تطغى العادات والتقاليد في بلدنا لدرجة كبيرة مع تفسيرات مختلفة ومتنوعة لبعض نصوص القرآن والسنّة مما يُؤدي إلى خلط بين ما أراده الله من تكريم للمرأة، وما يُفسره الإنسان الذي قد يخطئ أو يصيب.. ولكنني أرى أختي في هذا الوطن مواطنة مكافحة في كل التزاماتها الأسرية والمهنية والعامة، تكثف جهودها في كل ما تلتزم به، ومن خلال تعرفي عن قُرب بأخواتي أعضاء مجلس الشورى أشعر بفخر أنني بينهم ومنهم. وأرى مستقبل الوطن الحقيقي في شباب وشابات هذا الوطن، لأنهم جميعاً يريدون التقدم والتطور للمجتمع مع الفخر بوطنهم والحفاظ على قيمهم، يُؤمنون برب العالمين، ملتزمون بخدمة وطنهم، ومحبون لوالدهم وولي أمرهم خادم الحرمين الشريفين.. وعلينا جميعاً أن نهتم بهم كأولوية تنموية ونفتح أبواب العمل والعطاء لهم، ونفسح لهم المجال للإبداع، فما نقدمه الآن لفئة الشباب هو ما سيجنيه الوطن فيما بعد. * كيف ترى الشورية ثريا عبيد دخول المرأة مجلس الشورى؟ - أولاً: وعَدَ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بدخول المرأة مجلس الشورى، ووفَّى بوعده في الزمان المحدد، وإنني لأرى هذا القرار بأهمية قرار الملك فيصل بن عبد العزيز، رحمه الله، بتعميم تعليم البنات.. فرحَ الكثيرون بالقرار في ذلك الوقت وذمَّه القليل ولكنه بحكمته جعل القافلة تسير، والآن القافلة تسير مرة أخرى بحكمة خادم الحرمين الشريفين.. وبغض النظر عما يصدر في بعض الأحيان من تعليقات عن فاعلية مجلس الشورى، جاء تعيين المرأة كتكليف وليس كتشريف، كما قال لنا في مناسبة أداء القسم. لقد ثبَّت القرار حق المرأة كمواطنة تُشارك في مسؤولية تقديم المشورة لولي أمر هذا البلد، مثل أخيها المواطن.. وتُشكّل عضوية المرأة من عضوية المجلس، وهي نسبة من أعلى النسب عالمياً إذا قورنت بنسب تواجد المرأة في البرلمانات المنتخبة أو المجالس المعيّنة.. وهي خطوة أولى ولكنها خطوة كبيرة وشجاعة وجاءت في وقتها، ولذلك باركها علماء ديننا الكبار. ونحن نشكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على ثقته في نساء بلده، ونحن نعده أن نكون على الإيمان والثقة ثابتات. * إلى أي مدى ترى الدكتورة ثريا عبيد مُكرَّمة «الجنادرية 28».. إمكانية أن تحصد المرأة تكريمات الجنادرية في الأعوام القريبة المقبلة.. والتكريمات الوطنية الأخرى بصفة عامة؟ - المجال مفتوح دائماً لتكريم الوطن لها من خلال الجنادرية أو غيرها، وتحصد الآن المرأة السعودية الجوائز وتُكرَّم عالمياً، فهل تقل الجنادرية في الأعوام القادمة عن المؤسسات خارج وطننا في تكريم بنت الوطن في المجالات التي تبدع فيها وهي كثيرة ومتنوعة. أدعو الله أن يكون تكريمي فاتحة خير، وأقترح أن تنظر اللجنة المسؤولة عن الترشيحات أن تعمل على توأمة كل تشريح بحيث يُكرّم مواطن ومواطنة في الوقت ذاته سنوياً. * ماذا عن المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية».. كيف تراه الدكتورة ثريا عبيد.. وإلى أي مدى ترى أنه حقق أهدافه وغاياته التي يسعى إليها؟ - «الجنادرية» هي احتفال الوطن بتاريخه وتراثه بمشاركة عربية وإسلامية ودولية، وهو احتفال غني بتنوع ما يقدمه من نشاطات ولقاءات وندوات، وكذلك ثري بتنوع المشاركين فيه وموضوعات المناقشات.. وأعتقد أنه حقق ما يسمو إليه وأتمنى لكل نشاطاته النجاح.. ويبارك الله جهود القائمين عليه والعاملين لإنجاحه. * ما الذي تتمناه الدكتورة ثريا عبيد للمرأة السعودية.. ثقافياً ووطنياً واجتماعياً؟ - ما أتمناه للمواطنة السعودية هو ما أتمناه لكل مواطن في البلد، المشاركة، المسؤولية، العمل المنتج، تحقيق حقوق الإنسان التي منحنا الخالق والحقوق المدنية التي تشرعها القوانين والأنظمة.. أتمنى لنا جميعاً حرية الرأي والتعبير والإبداع والمشاركة الأهلية في إدارة دفة الوطن.. أتمنى لنا جميعاً الحياة المسؤولة الكريمة. أتمنى للمرأة السعودية الحرية من الفقر، حيث إن آثاره تصيب المرأة أعمق من الرجل، أتمنى أن تعامل بكرامة من رجال أسرتها، وأن لا تُعنّف مع أطفالها وأن لا تُهان وأن تجد حقوقها محفوظة في محاكمنا وتُعطى حقوقها الأسرية كاملة.. أتمنى لها حرية الحركة لتصل إلى عملها ولتقوم بمسؤولياتها المختلفة دون صعوبات بسبب العادات والتقاليد والأعراف.. وأخيراً أتمنى لها ما يتمناه أي إنسان في هذا العالم: الاستمتاع بحقوق الإنسان الدينية والمدنية. * كيف ترى الدكتورة ثريا عبيد المرأة في ظل ولادة الأجيال الشبكية الإلكترونية والاتصال الرقمي الذي كسر الحدود، وألغى الحواجز وفتح النوافذ؟ - عَبَرت الشبكة الإلكترونية ووسائل الاتصال الاجتماعي كل الحدود الجغرافية التي باتت رسوماً على خرائط ورقية تخطاها الزمن ما عدا مواقع دخول أي بلد من أية حدود، يُمكننا أن نقول بأنها ألغت لدرجة كبيرة الحدود، فليس هناك الآن ما يمكن أن يغلق عليه وراء الأبواب. لقد وصلنا إلى لا حدود لحركة المعلومات بأنواعها ولحرية الحوار والنقاش عبر البحار متخطين كل الحدود الجغرافية وكل الموانع الاجتماعية والتقليدية.. يدخل بيوتنا يومياً كل العالم، نختار منه المفيد ونترك الخبيث، لذلك لا يُمكن حصر المرأة السعودية في حركتها الذهنية والعلمية والمهنية أو حتى حركتها الجغرافية في نطاق التفسيرات التي تحد من حريتها في ممارسة الحياة بمسؤولية تتحمَّلها هي شخصياً وتعكس من خلالها القيم الروحية الإسلامية والإنسانية التي غرست فيها منذ الصغر. إن الإيمان مسؤولية أمام الله وكذلك الأخلاق مسؤولية أمام الله والأسرة والمجتمع، لذلك تستفيد المرأة والرجل على السواء من الشبكات الإلكترونية وما تقدمه، وهم مسؤولون عن رفض ما هو غير ملائم أو غير أخلاقي. ونفس المنطق ينطبق على الشباب والشابات الذين يعتمدون على وسائل الاتصال الاجتماعي في معظم ساعات اليوم، مع الشعور بالحرية في التواصل والتعبير والتضامن، وهو الشعور الذي يفتقدونه في واقعهم المعاش لدرجة كبيرة، مما يُؤدي إلى مشكلات نفسية واجتماعية جسيمة تكلف المجتمع الكثير. نحن الآن في مرحلة من تاريخ بلادنا الأشد حساسية إزاء موقعنا في العالم وعلاقاتنا الدولية وأكثر حساسية إزاء شبابنا - ذكوراً وإناثاً - لأنهم يعيشون حياة مزدوجة، الحياة اليومية داخل الوطن والحياة الأخرى خارج الوطن إلكترونياً، والتناقض واضح في كل الأحوال.. لا يُمكن وقف حركة التقدم العلمي وآثاره علي أي مجتمع ونحن في المملكة بلد في هذا الكون يُؤثر ويتأثر بما فيه وما حوله. * ماذا تقول د. ثريا عبيد عن الحرس الوطني.. هذا الجهاز العسكري الذي يقدم فعلاً ثقافياً وطنياً عربياً عالمياً متفرداً عبر مهرجان الجنادرية؟ - الإعداد للجنادرية على أساس سنوي عمل جبار يحتاج إلى موارد بشرية ومالية وتنظيمية وفكرية ومبدعة عالية الجودة.. وهذا ما يُؤمِّنه الحرس الوطني سنوياً مشكوراً، له التقدير والتمنيات بالنجاح المتكرر المتجدد. * كلمة أخيرة تختم بها مُكرَّمة الجنادرية هذا اللقاء؟ - كانت تُوجه لي أسئلة كثيرة عن كوني من المملكة خلال سنوات خدمتي في الأممالمتحدة، وبخاصة في السنوات العشر الأخيرة من عملي في منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة - المدير التنفيذي لصندوق الأممالمتحدة للسكان.. وكنت دائماً أقول إن حركة حياتي المهنية جاءت من عند الله، فلقد كتبها لي وكان معي وأنا أشق طريقي.. وتحققت علي يد ثلاثة آباء دعموني بثقتهم بي، الأول هو والدي السيد أحمد عبيد، رحمة الله عليه، الذي آمن بأمر الله لكل مسلم: «اقرأ»، فأرسلني إلى مدرسة داخلية في القاهرة قبل دخول تعليم الفتاة بلادنا لأقرأ، وحصلت على فرصتي للتعليم الجامعي وما بعده من خلال المنحة الحكومية التي أمر بها الملك فيصل بن عبد العزيز، طيَّب الله ثراه، (سنة تعميم تعليم البنات في المملكة) وعُينت في منصب الوكيل العام للأمم المتحدة بعد ترشيح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد.. فكل أب منهم منحني الثقة بأنني ابنة الوطن ودعموني في كل مسيرتي الحياتية وفتحوا الأبواب أمامي، لأكون مواطنة صالحة تحب وطنها مهما بعدت عنه.. ومؤخراً جاء تكليفي من خادم الحرمين الشريفين كعضوة في مجلس الشورى مع أخواتي الشوريات.. ولولا الله ومن ثم هؤلاء الآباء الكرام لما كنت أقف أمام الجمع الفاضل في الجنادرية «28» لأُكرَّم ليس لنفسي، ولكن لمسيرة المرأة السعودية التّواقة للعلم والعمل الصالح. إن تكريمي اليوم هو دعاء الجميع بالرحمة على روح والديَّ السيد أحمد عبيد والملك فيصل بن عبد العزيز، والدعاء بالصحة والعافية لوالدي وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أطال الله في عمره لتحقيق طموحه وأحلامه وقراراته لتقدُّم هذا الوطن.