منذ أيام دعا الرئيس الإيطالي إلى ترشيد الغذاء واعتبر هذا الأمر جانباً أخلاقياً وإنسانياً لأنه يصب في مصلحة الجميع ومن بينهم الفقراء، وهذه المبادرة من الرئيس الإيطالي تحمل أبعاداً وحساً وطنياً وإنسانياً كونها تأتي من المسؤول الأول في الدولة الذي له الإلمام الكامل بالحالة الاقتصادية التي تعيشها بلاده والتأثيرات الأخرى المرتبطة بالاقتصاد العالمي، هذه الخطوة لا شك أنها سوف يكون لها تأثير بين أبناء الشعب الإيطالي الذي يتمتع بوعي حضاري، بالمقابل هناك دول تحمل موروثاً حضارياً يزخر بالكثير من القيم السلوكية التي لو طبّقت بوعي في مجالات الحياة لوفرت الكثير على شعوبها وأعني بذلك الدول الإسلامية التي تدين بالإسلام وتعتبره المصدر الأول في تشريعاتها، حيث الكثير من هذه الدول تدّعي في دساتيرها أنها تحكم بالإسلام وتهمشه في نفس الوقت في واقع حياتها وهذا سرّ تخلف بعض دول العالم الإسلامي التي لم تتعامل مع الإسلام وما يملك من مخزون وافر لامس الحياة كلها، فترشيد الاستهلاك دعا إليه الإسلام في الماء والغذاء وجميع أوجه الحياة وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة تحث على الترشيد وعدم الإسراف ومن بينها قول الله سبحانه وتعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ولا تسرف ولو كنت على نهر جار). هذه الآيات والأحاديث تحمل في طياتها قيماً حضارية للبشرية جمعاء تلامس اقتصادها ومعيشتها فالنكبات التي حلَّت بالعالم اليوم من أسبابها الاستهلاك والإسراف الجائر بالماء الذي يعتبر نبض الحياة وبدونه لا تقوم الحياة تعرض لظلم جائر سواء كان من الجهات المهتمة بالزراعة أو من جهات أخرى فردية أو جماعية التي تسرف في استخدامه في الأكل والشرب والاستحمام والسقيا والتنظيف، فالفرد الواحد يتجاوز أكثر من ثلاثين لتراً عند وضوئه للصلاة ولصلاة واحدة فكيف بمن هو داخل الحمام للاستحمام.. أيضاً هناك ممارسات أخرى لا تقل عن الإسراف في الماء إن لم تكن أشد وهي الإسراف الغذائي في البيوت وما تقوم به بعض الأسر من إعداد العشرات من أطباق الطعام لأفراد لا يتجاوز عددهم خمسة أفراد في بعض الأحيان ونهاية معظم هذه الأطباق التي لم يأكل منها سوى القليل ومصيرها سلة الزبالة، كلك ولائم الزواج والمناسبات العائلية التي يذبح فيها العشرات من الخراف والجمال ونهايتها سلاّت الزبالة، وهذا وباء خطير ينهش في مقدراتنا الاقتصادية ومواردنا الطبيعية وخصوصاً في هذا الوقت الذي أصبحت فيه معظم الدول الإسلامية معتمدة على الاقتصاد العالمي الخارجي والذي يتم التحكم فيه من قبل دوله وعادة يخضع لأمور سياسية تمليها دوله مستغلة هذا الوضع الاقتصادي الذي تعانيه بعض الدول الإسلامية، كذلك يجب أن لا ننسى غياب الإستراتيجيات في العالم الإسلامي التي تحث على ترشيد الاستهلاك والتصدي له، بل على العكس نستطيع أن نقول إن الدول الإسلامية أصبحت مستهدفة من جميع دول العالم ولا سيما المصنّعة من خلال المهرجانات التي تُقام في معظم مدن العالم الإسلامي والتي يروّج لها في وسائل الإعلام المختلفة والتي عادة هذه السلع لا تأتي بشيء جديداً سوى بضائع رديئة تغرى من خلال أسعارها (الرخيصة) والتي تصب في زيادة الاستهلاك. والله من وراء القصد.. [email protected]