ولأنه حفر قبره بيده، يجاهد نظام بشار الأسد في سورية لتجنب المصير المؤكد الذي تتجه إليه الأحداث، فنظام دمشق الذي فضَّل الخيار الأمني والعسكري لمعالجة الأحداث التي اندلعت في بداية الثورة السورية، وعاكس كل المحاولات السياسية من خلال آليات تفاهم وإلتقاء مع المعارضين من أبناء الشعب السوري عن طريق الحوار، وكان يرفض كل محاولات الوسطاء ويفضل القتل والتنكيل وزج المعارضين في السجون.. الآن تأكد للنظام أن كل ما قام به من أفعال عسكرية وتشغيل لكل أدواته القمعية والأمنية لم تفلح في اعتراض طريق ثورة الشعب السوري المُصِر على إحداث التغيير والتخلص من نظام ظل طوال عقود جاثماً على صدر الشعب السوري. آخر محاولات الإنقاذ التي يتجه إليها نظام بشار الأسد هو التوجه إلى من غضوا النظر عن أفعاله القمعية، وهم وإن لم يساندوا الثوار السوريين إلا أنهم لا يزالوا يحتفظون بمصداقية الثوار ولا يزال وهج الثورة ملتصقاً ببلدهم، فالجزائر الدولة والنظام ورثا ثورة المليون شهيد، وقد حافظوا على مبادئها بعدم الاستعانة بالأجنبي على إحداث تغيير في الداخل حتى وإن كان الحاكم مستبداً، وهم من خلال تشبثهم بهذا الموقف فقد كان موقفهم من ثورة السورية أقرب إلى الحياد وإن اتفقت مواقفهم السياسية مع النظام في دمشق، فهم رفضوا التدخل الأجنبي المساند للثوار إلا أنهم سكتوا عن التدخل الأجنبي المساند للنظام فضلاً عن تطابق مواقفهم السياسية في المحافل الدولية مع مواقف دمشق، ومع هذا لا يزال يُنظر للجزائر كدولة ونظام بأنها ذات موقف أقرب للحياد. هذه النظرة وتفهم الموقف الجزائري أراد نظام بشار الأسد الاستفادة منه، فأرسل وفداً استطلاعياً للجزائر من دبلوماسيين مخضرمين من رجال أمن مختصين لاستكشاف إمكانية قيام الجزائر بوساطة (بعيداً عن الأنظار) بين بشار الأسد وجماعته وبين الائتلاف الوطني السوري. حتى الآن لم تظهر أي إشارات على ما حققه وفد الاستطلاع السوري، وكل الذي عُرف أن وفداً سورياً دبلوماسياً أمنياً في الجزائر، وللجزائر تاريخ حافل في القيام بوساطات معقدة تحقق فيها نجاحات، وكلنا يتذكر نجاح الجزائر في تحقيق وساطة ناجحة بين شاه إيران وصدام حسين أثناء قمة دول الأوبك عام 1975م. كما نجحت الجزائر في إنجاز وساطة مهمة بين إيران خميني والولايات المتحدةالأمريكية انتهت بالإفراج عن الرهائن الأمريكيين الذين كانوا محتجزين داخل السفارة الأمريكية في طهران. إذن للجزائر تاريخ حافل بالنجاحات وإيجاد حلول للأزمات بين الدول، وعُرف عن دبلوماسييها التكتم والعمل بهدوء لإنجاز ما يتصدون له، وهو ما يظهر ما يقومون به من خلال معالجتهم لأزمة الثورة السورية. فهل يفلحون؟ وهل تسمح ارتفاع أرقام الضحايا والتدمير للجزائريين بالعمل بهدوء لإنجاز ما يريدون تحقيقه؟ [email protected]