تنهض الحياة الإنسانية على دعائم كثيرة أهمها: الاختلاف، الائتلاف، التوافق والتعارض. فالأفراد يختلفون ويتفقون، يتجاذبون ويتنافرون. وهذا التنوع والتعدد والاختلاف في الكون واقع ملموس يتشكل في أشكال ومحاور عديدة، لكن يبقى النجاح الحقيقي للمجتمعات مرهوناً بقدرة المجتمع بمختلف تياراته واتجاهاته وأطيافه على تجاوز خلافاته والالتفاف حول مشروع وطني تتراجع أمامه كل الاعتبارات والأجندات والتوجهات حتى الوصول لمرحلة النهضة. ولا يتحقق ذلك سوى عبر وعي المجتمع بكل مكوناته وأفراده بنشر ثقافة التسامح مع الطرف المختلف. وهذا التسامح والائتلاف لا يعني بالضرورة التطابق والتماثل في وجهات النظر، لكنه يعني بكل وضوح احترام الآراء المختلفة، فلكل شخص الحق في التماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها من دون خوف من سوط أو سيف. ولقد أقر القرآن الكريم تعددية الآراء وتنوعها، حيث يقول المولى عز وجل: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، أي أن الاختلاف بين البشر سنة كونية، ومعلم من معالم التواجد الإنساني على هذه الأرض، وهو مسألة حتمية في كل المجتمعات. لكن الأمر يكمن على إمكانية القدرة في توطين العقل والضمير على قبول الطرف الآخر، وتوسيع دائرة التشابه وتقليص حدود الاختلاف. وهذه مفاهيم أساسية لاستقامة الأمور، وبالتالي إمكانية التعايش السلمي بين جميع أطياف المجتمع لا سيما أن ديننا الحنيف يسع الآخر ويقبله ويكفل له حقوقه. ومع قصور العقل البشري لا تتولد الحقيقة سوى من اختلاف الرؤى وتباين الحجج، والصواب لا يظهر سوى بالموازنة بين رأيين متعارضين وإطلاق الحرية الكاملة لدى الغير في المعارضة، وهذا شرط أساسي وبدونه لا يستطيع الإنسان أن يكون على ثقة بصحة رأيه وصواب اعتقاده، فالإنسان قادر على تصحيح خطئه بالمناقشة والحوار، وهذا -للأسف- ما تفتقر إليه ثقافتنا العربية.