صالات تكتظ بالبشر.. الكل مشغول ولا ينشغل إلا بنفسه.. جميع الكراسي الحديدية المثقوبة في صالات الانتظار لم تعد تستوعبُ أحداً.. بدأ الناس بالوقوف في الصالة المُكدسة بالأجساد بعد أن قطف كل واحد منهم من فم الجهاز المجاور للباب رقماً يرتبه في طوابير الانتظار. في دائرة «البيروقراطية» هناك من يخرج بابتسامة عريضة تمتد بين وجنتيه لأنه أنهى معاملته أخيراً، وآخر يخرج من بين رؤوس البشر الكثيرة التي لا تعرف بعضها وفي رأسه ردود أفعال مليئة بالضجر والتأفف.. يدلف من أمامي رجل في ربيع العمر يحمل بين يديه «كومة» من الأوراق والمستندات، وقد أطلق تنهيدة كادت تدمي رئتيه تعبيراً عن استياءه تجاه عدم قبول معاملته، فيما بقي من كانوا رفاقاً له في «طابور» طويل ينتظرون دورهم أمام وجوه عابسة خلف الزجاج. الطرف الآخر من تفاصيل ما يدور في أروقة دائرة حكومية تشبثت ب»البيروقراطية» كان هناك أشبه بجيش من المواطنين وجوههم حائرة بانتظار وصول موظف واحد في كاونتر مخصص لإنهاء المعاملات غادره بعد أن أخبرهم أن النظام «داون».. عاد الموظف بعد طول انتظار واستقبلته أصوات الغالبية منهم في محاولة للتظاهر بالصبر والتذمر من التقنية الحديثة التي أصبحت وسيلةً للتعقيد أكثر مما هي طريقة للتسهيل، في حين لم يضعوا أي لوم لا على الموظف ولا على تلك الجهة الحكومية التي جلبت لهم «الدوران» ربما خوفاً من أن ينالهم شيء من السخط الذي ستظهر علاماته على أوراق معاملاتهم.. كم من مرة قضينا ساعات طويلة في انتظار هذا ال»الداون» الذي أصبح في كثير من الأحيان عذر «مباح» لدى الموظفين للمحاولة في التخفيف من ضغط العمل عليهم.. كم مرة أخرجنا «الداون» من عملنا لقضاء مصالحنا الروتينية ولم نستطع قضائها وعدنا «دوان» دون إنهاء المهمة. الجميع أصبح لديه تصور أن الوظيفة الحكومية تعطي صاحبها صفة التميز فهو الآمر الناهي وهو الذي يسرع أو يبطئ بإنجاز المعاملة أو يؤخرها ويمكن له أن يطلب مستندات إضافية أو يتغاضى عن ذلك رغم استكمال المراجع لمتطلبات الأنظمة والقوانين، بل إنه أصبح من الواجب على المراجع أيضاً أن يتحدث مع الموظف الحكومي بهدوء وبلطف شديد ومتكلف وتبتسم له ولا تتوقع منه ذلك حتى لا تصاب بالإحباط. للأسف الخدمة السيئة مع المراجعين الذين هم في الأصل (عملاء) من قبل بعض موظفي القطاع العام، أصبحت صفة تلازم الموظف لدرجة أنه صار من المستغرب أن تجد موظفاً حكوماً يرحب بالتعامل معك أو يبستم لك على الأقل.. الكثير يرى أنه في الابتسامة وحسن الاستقبال والبشاشة يتحقق 70% من مطالب العميل سواء أنهى الموظف المعاملة في حينها أو بعد يوم أو أكثر.. بالابتسامة والتعامل الراقي ينصرف المراجع راضياً ومتقبلاً للإجراءات بسيطة كانت أو معقدة.. ومن وجهه نظري أن الحلول بأيدينا متى ما أردنا التغيير فليس أكثر من برامج التأهيل للموظفين والتي تعتبر من أفضل الحلول للارتقاء بتعامل الموظف وسلوكياته مع العملاء، وكذلك التحفيز على الأداء المتميز.. وأحمد الله أن المعاملة خلصت. [email protected] @alionazi تويتر