تزايدت في السنوات الأخيرة وتيرة النجاحات في الأبحاث العلمية التي أدت إلى اكتشاف مسببات الكثير من الأمراض واستنباط طرق جديدة لعلاجها. وقد تحقق ذلك بفضل الإنفاق الهائل الذي قدمته بعض الحكومات بسخاء للجامعات ومراكز البحوث المتخصصة، وفي مقدمتها حكومة الولاياتالمتحدة وحكومات دول الاتحاد الأوربي. لكن العالم يعيش اليوم أزمة اقتصادية طاحنة، فلا زالت أوروبا تتخبط في أزمتها المالية والاقتصادية، ولا زالت الولاياتالمتحدة غير قادرة على الخروج من الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها منذ سنوات. ومع الأسف، فقد أصبح من الجلي أن الأبحاث التي تقوم بها الجامعات والمراكز والهيئات العلمية المتخصصة ستكون في مقدمة ضحايا هذه الأزمات الاقتصادية، وهذا من سوء حظ شعوب العالم كله وليس سوء حظ الأمريكيين والأوروبيين فقط. أما لماذا تكون الأبحاث العلمية في مقدمة ضحايا الأزمات المالية التي تعاني منها الحكومات فذلك بسبب انتهازية السياسيين وطبيعة السياسة نفسها. الساسة لا يفكرون إلا في حاضرهم ولا تؤرقهم إلا هموم يومهم أما الغد وما يحمله المستقبل فيتركونه للحكومات القادمة التي يجب عليها أن تصارع مشكلات زمانها! فالأبحاث العلمية لا تؤتي أكلها في سنة أو سنتين. إنها قد تحتاج إلى عشرات السنين حتى تنضج وتأتي بنتائج يمكن تطبيقها والاستفادة منها. وعند ذاك تكون حكومات اليوم في ذمة التاريخ، ولأن ذاكرة الناس قصيرة ومشوشة فقد يُنْسَب الفضل لغير أهله، وهذا هو سبب خوف السياسيين الذين هم بطبيعتهم كائنات انتهازية. ومن المعروف أن الإنفاق على البحوث يحقق في المدى الطويل عائدات مالية واقتصادية تفوق كثيراً ما تم إنفاقه. فعلى سبيل المثال، أنفقت الحكومة الأمريكية على مشروع الجينوم البشري أربعة مليارات دولار، لكن هذا المشروع حقق عائدات بلغت 796 مليار دولار بين عامي 2000 و 2010 حسب تقديرات الهيئة الصحية الأمريكية المتخصصة في مجال الأبحاث الصحية NIH. وقد نقلت جريدة لوس انجلوس تايمز عن مسؤولي NIH أن كل دولار يتم إنفاقه على هذه الهيئة يحقق نموا اقتصادياً قدره 2,20 دولار. أما المنافع الأخرى، وفي مقدمتها الطبية والعلمية فهي بلا حدود. واليوم، بسبب الأزمة الاقتصادية في الولاياتالمتحدة قررت الحكومة الفيدرالية إجراء تخفيضات في الميزانيات المخصصة للأبحاث بمليارات الدولارات، وسوف تتعرض أبحاث السرطان والزهايمر والأمراض الكبرى المستعصية لنكسة كبيرة بعد أن كانت قد حققت نجاحات هائلة. المؤلم أن ذلك يحدث في الوقت الذي تنفق الولاياتالمتحدة مليارات الدولارات على الحروب والأسلحة! أولويات مقلوبة، ولكن هذه هي السياسة. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض