التقارير الاقتصادية التي تنشرها بعض الجهات المتخصصة، كالبنوك ومراكز الأبحاث الاقتصادية تؤكد أن السنوات القادمة ستشهد هدوءاً نسبياً في وتيرة الطفرة المالية والاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا لا يعني بالضرورة أن المنطقة ستعاني خلال السنوات الثلاث القادمة، مثلاً من ركود اقتصادي وإنما ستشهد انخفاضاً في معدلات النمو الاقتصادي. ثمة أسباب عديدة لهذا الاستشراف المستقبلي للأحوال الاقتصادية القادمة. فمنطقتنا الخليجية هي منطقة نفطية في المقام الأول، وكل ما تشهده من نشاط وفوران اقتصادي يعود لما يحدث في أسواق النفط العالمية. فعندما ترتفع أسعار النفط ترتفع معها الإيرادات المالية لحكومات دول المنطقة، وبالتالي يزداد الإنفاق الحكومي الذي يجد طريقه إلى بقية قطاعات الاقتصاد الوطني. وعندما تنخفض أسعار النفط يحدث العكس ويتراجع الاقتصاد. وباستقراء ما يحدث على الساحة السياسية والاقتصادية العالمية فإن من المتوقع أن تهبط أسعار النفط في المرحلة القادمة. ومن أسباب هبوط الأسعار تنامي الإمدادات النفطية التي تصب في سوق النفط العالمي، وعلى سبيل المثال، فإن إنتاج أمريكا الشمالية يتنامى، وكذلك إنتاج العراق. مقابل ذلك، نجد أن الأزمة الاقتصادية العالمية لازالت تلقي بظلها على الاقتصاد العالمي، وخصوصاً بعض الدول الأوروبية المهددة بالإفلاس والتي ضربتها البطالة مع كل ما تجره معها من تداعيات تتعلق بانحسار القدرة الشرائية وبالتالي تنعكس سلباً على الطلب الكلي لهذه الدول من السلع والخدمات بما في ذلك النفط. وبسبب هذه التطورات فقد خَفَّضت المملكة إنتاجها من النفط الخام مع نهاية العام الماضي 2012 لكيلا تتأثر الأسعار. ويتوقع باحثون اقتصاديون من البنك السعودي الأمريكي أن متوسط النمو الاقتصادي للمملكة خلال السنوات القادمة سيكون حوالي 3.3 بالمائة وهو أقل من متوسط نمو الاقتصاد للسنوات الثلاث الماضية الذي كان بحدود 6.5 بالمائة. إن كل التحليلات الاقتصادية الاستشرافية التي تضع سيناريوهات مستقبلية لتطورات الاقتصاد السعودي والخليجي تركز على ما يحدث في سوق النفط. وهذا منطقي في ظل الاعتماد شبه الكامل لهذه الاقتصادات على إنتاج وتصدير النفط الخام. هذا يجعل مصيرنا معلقا على ما يحدث في سوق النفط العالمي بعد سنوات طويلة من انطلاق الخطط التنموية الوطنية حيث تم وضع الخطة التنموية الأولى في المملكة مع بدايات السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، وقد كان أحد الأهداف الرئيسية المتكررة في كل خطط التنمية السعودية منذ الخطة الأولى وحتى الخطة الأخيرة، وهي الخطة التاسعة، تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل. مما يؤسف له أننا حتى بعد أكثر من أربعين سنة من انطلاق خطط التنمية لازلنا نعتمد اعتماداً كلياً تقريباً على تصدير النفط ونتأثر بما يحدث في سوق النفط، ومن حسن الحظ أن التطورات التي حدثت في هذه السوق خلال السنوات القليلة الماضية كانت لصالحنا، ولكن من يضمن ألا تخذلنا هذه السوق مرة أخرى؛ وهذا ما بدأت مؤشراته تلوح في الأفق!؟ [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض