تعرف العولمة بأنها نظام عالمي جديد يقوم على العقل الالكتروني والثورة المعلوماتية القائمة على الإبداع الفني غير المحدود دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافة والقيم، والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم. ان الغالبية ترى أننا لسنا أمام أمر طارئ، ولا قطيعة مع الماضي, بل إننا إزاء عملية تاريخية ترجع إلى خمسة قرون وبالتحديد تعود إلى عام 1492م (عام سقوط غرناطة بيد الإسبان), إن الكل يجمع على أن الإنكار والاستنكار للعولمة موقفان غير مقبولين إزاء ما يجري وما يمكن أن يؤدي إليه في نهاية المطاف. إن العولمة من منطلق بعدها الثقافي تفسر بأنها سلاح خطير إذ أن أمريكا تعمل على إنتاج نظام (هيمنة) جديد تحت شعار العولمة هدفها تأصيل ثقافتها التي استطاعت أن تجمع الأعراق والثقافات المختلفة في بوتقة واحدة، ولكن لا يمكن القطع بأن التجربة الأمريكية أتت ثمارها إذ لم تستطع فرض أحاديتها ومرجعيتها المطلقة على العديد من بلدان العالم، ولاسيما الاتحاد الأوروبي واليابان والصين نظراً لتوفر الخصوصية والأيدولوجية الفكرية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية المغايرة لمثيلاتها الأمريكية، كما أن هذه الدول لا ترى في النظام الاقتصادي الأمريكي نموذجا مثاليا يحتذى به وبذلك يصبح انصهارها في النموذج الأمريكي أمرا غير وارد. هناك من يساره شيء من الخوف بأن العولمة في مجملها ترسيخ للمخطط الصليبي الصهيوني الذي يعمل بإحكام للقضاء على الوجود الإسلامي بأي وسيلة فمن عولمة الثقافة والفكر أي محو الدين إلى عولمة السياسية ثم الاقتصاد كالمنتجات الاستهلاكية والمطاعم التجارية، وانتشار الكوكاكولا والجينز الأزرق، وإذا كان ذلك بمنزلة الهجوم الكاسح والخطر على مقدرات الدين الإسلامي فإنه بلا شك سيؤدي إلى (الارتداد) نحو التشبث بالدين والثقافة فيحول دون ذوبان الهوية القومية إلا أن معركة الارتداد هذه ستكون خاسرة ما لم تتحول إلى مقاومة إيجابية تتسلح بأدوات العولمة نفسها على أساس علمي، لأن أساليب المواجهة الأخرى ستؤدي إلى الفشل والهروب. إن العولمة ليست كلها شرا، فهناك من الإيجابيات ما ستقدمه العولمة من مزايا اقتصادية قائمة على الأمل بفتح أسواق للمستثمر الأجنبي في الدول النامية التي ستساهم في نقل التقنية ووسائل الإنتاج وتعزز تنمية المهارات وتحد من البطالة.