أتحفني أيما إتحاف أخي وزميلي، الصحفي اللامع، الأستاذ: محمد العيدروس ببنت من أجمل بنات أفكاره، كتاب ماتع جديد هو « أنا وصاحبة الجلالة». وهذا الكتاب الذي يقع في 179 صفحة بمثابة حديثة غناء تضم بين جنباتها أزهاراً متنوعة من فنون الصحافة، وخباياها، وأسرارها التي لايتأتى كثير منها، إلا بالممارسة الطويلة والمزاولة الواعية. فالصحافة إبداع وموهبة وكفاح. وتلك قيمتها. والصحفيون: عيون الدولة، ومسؤوليتهم كبيرة في نقل الحقائق وتوضيحها، وفيها خدمة الوطن الكبير. وتلك رسالة الصحافي الناجح. فإذا صمت الصحفيون انطمست الحقائق، وكثرت الشائعات. ورئيس التحرير: هو الأساس في إنجاح مهمة الصحفي. والعمل الصحفي: لايوجد فيه كبير وصغير، والموهبة والحس الصحفي هما اللذان يصنعان الكبار. وذلك أن الصحفي - بذكائه وحنكته - يحاول الوصول إلى السياسيين المسؤولين من داخل البلد وخارجها، ويغتنم الفرص، ويعينه على ذلك تتبع أخبارهم ومعرفة هواتفهم ومنازلهم، ويقابل الاعتذار بأنه يود السلام على هذا المسؤول، ومن ثم يجري معه حواره. ويوضح زميلنا العيدروس أن أسوأ مافي الصحافة: الشللية والمحاباة، ومتى ماطغت هذه الظاهرة في أي صحيفة تكون نهايتها قد اقتربت، والصحفي الناجح، شعاره التعامل مع الخبر الصحفي أو التقرير بمهنية مجردة، وهذا هو الصحفي النزيه. والخبر الصحفي، أو الكلمة حينما تنشر، كالرصاصة التي تخرج من فوهة المسدس، فلا يمكن إعادتها. والصحافة ليست مهنة متاعب فحسب، بل مهنة مصائب وكوارث في أوقات معينة، وقد تهوي بصاحبها إلى أسفل سافلين. ويذكر الكاتب تجاربه مع المسؤولين من الوزراء الأجانب، ويذكر مفاجأته وسعادته وآماله وهمومه، ويضيف: أن الصحفي اللامع هو الذي يصنع الخبر، وليس الذي ينتظر المعلن. وصناعة الخبر هي أرقى أنواع الفنون الصحفية، فمثلاً يمكن الصحفي المميز أن يبدأ من حيث ينتهي الآخرون، لأن عموم الأخبار الصحفية غير متكاملة. ويكشف الكاتب عن سر من أسرار المهنة، وهو: أن حفلات الزفاف، والمؤتمرات العامة، والمهرجانات الشعبية، والندوات، والأحداث الاجتماعية، من أثمن الفرص وأهمها للصحافي القناص للفرص. كما أن من المواد الدسمة للصحفي: الردود التي ترد إلى الصحيفة على ما ينشر من شكاوى أو اقتراحات، إذا تم تحليلها بشكل جيد، ويفضل عرضها كخبر، وليس كرد على شكل مقال وتوقيع. كما أن العناوين الرئيسية القصيرة تشكِّل الإثارة والجذب لقراءة الخبر أو التقرير الصحفي، ودائما الصحفي يهمه المصادفات المفرحة إعلامياً، ومناسبات نشر الحوار في وقته، لأنه يترك صدى إعلامياً. والصحفي الناجح يحرص على أن لا يخسر أحداً من المسؤولين الكبار في الوزارات من وكلاء وغيرهم، ويذكر العيدروس أنه قال له كاتب بارز - وهو رئيس تحرير -: ( تعلم ألاّ تخسر أحداً، ولاتجعل أحداً عدوّاً لك، واجعل الجميع أصدقاءك، وعلى مسافة واحدة ). وبالإضافة إلى ماحواه الكتاب من أسرار الصحافة، وخباياها، فإن الكتاب يعد - أيضاً - سجلاً مهما لسيرة بعض كبار المسؤولين في الدولة، وبيان كثير من صفاتهم الشخصية التي قد تخفى على كثير من الناس. فقد حوى الكتاب وصف لقاءات أصحاب السمو الملكي الأمراء والمعالي الوزراء، وأمور اجتماعية، يذكر أصحاب السمو، وما لاقاه من صفات فخر واعتزاز، ويصفهم بنظراته الثاقبة كالأميرين سلطان، ونايف - رحمهما الله -، ثم يعرج على ذكر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان، فيقول: سلمان هو الرياض، والرياض هي سلمان. ويذكر الأمير سطام - رحمه الله -، وتواضعه الجم. ولا ينسى الأمير أحمد صاحب الخلق الرفيع، والحنان، والرحمة، مع قوة الحزم، والإصرار في إحقاق الحق، ونصرة المظلوم. وكذلك الأمير مقرن، ويذكر الأمير خالداً الفيصل الذي ورث من والده الدبلوماسية بكل تفاصيلها، مع أنه شاعر ومثقف مفكر، وهو إداري حازم. كما يصف سمو الأمير محمد بن نايف بأنه شخصية متواضعة خجولة، كما يصفه بالمحنك والمفكرِّ، وبأنه قدم لوطنه ومليكه الشيء الكثير، كما يتصف بنبل الأخلاق، ثم انتقل إلى أحفاد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وخص بالذكر الحفيد الرابع للملك عبدالعزيز، وهو الأمير فهد بن محمد بأنه يشيد بذكر جده المؤسس، فيذكر عدله وطيبه على الناس، ويذكر قسوته على أبنائه الأمراء. ثم ختم حديثه بقوله: الحوار مع الوجيه الأمير فهد بن محمد كان شيقاً للغاية حيث محور حديثه روايات وقصص من التاريخ. ثم انتقل إلى أمور اجتماعية متعلقة بلقاءات مع مسؤولين أجانب كوزير الكويت، ورئيس جمهورية اليمن سابقاً علي عبدالله صالح، ورئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة، ووزير خارجية السودان سابقاً عثمان أحمد إسماعيل، ووزير الإعلام اليمني، ويشير إلى أن وكيل وزارة الخارجية الدانماركي يؤكد على أن مملكة الدنمارك حكومة وشعباً تقدر الدين الإسلامي الحنيف، ولن تسمح بحال من الأحوال بالإساءة إلى أي من رموز الدين الإسلامي. كما أوضح أن مملكة الدنمارك رحبت بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - لمؤتمر حوار الأديان. ثم ينقل كلام شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي قبل وفاته بشهرين داخل جامعة الدول العربية: بأن المملكة تبني ولاتهدم، وتعمر ولاتخرِّب، وتصلح ولاتفسد، ولايجد منها المسلمون إلا كل الخير والمحبة. والكتاب ثري بفوائده، غني بالمعلومات النادرة المتعلقة بمهنة الصحافة، مع المصداقية في نقل المعلومات، وخير من يشهد بمصداقية الكتاب، هو الكاتب الكبير الأستاذ الألمعي خالد بن حمد المالك، رئيس تحرير صحيفة الجزيرة، حيث يقول: « غير أن الأمانة تقتضي مني أن أشير إلى المصداقية في الطرح، والأمانة في النقل، والحرص على توثيقها. وهذا بعض ما يميز الكتاب، ويجعله مؤهلاً للقراءة والاستفادة». [email protected]