يبتكر الإنسان لحظة عزلته..ليبقى مع نفسه داخلها..، وربما خارجا عنها.. حين يبقى مع عزلته يتصاعد جدله معها.. قد يختلف معها حد الانعتاق.., وقد يتفق معها حد الاعتناق.. فالحلول الوسط مع النفس، قمة التآلف، والتكيف.. من وجهة الطبيعة البشرية.. وهذا ما لا يحدث إلا نادرا.. وإن حدث فنتيجة الدربة الطويلة، وتلك نادرة.. ! ولئن كانت في ظاهرها أمرا مثاليا..لكن قد يكون المرء معها فقط، وقد لا يكون كذلك مع من يخالفها، أو يختلف معها.. والمصالحة هي الحل الأرجح للأطراف كلها، لأن المصالحة رهينة المواقف..، يتحيد فيها الوجدان مع العقل، وتغلب فيها الحكمة على الهوى.. كما يمكن أن يكون المرء في عزلته, وهو متصالح تماما مع الأطراف كلها،.. . وقد يندمج بها كلها..، وهو متصالح مع الكل في آن، نفسه وما فيها، وخارجها بمن فيه.. كذلك يمكن أن يكون المرء مع كل ما فيه, وكل ما هو خارج عنه، ويبقى في عزلة..! العزلة حالة، وزمن، وموقف.. المبتكر منها هو رحلة استغراق، يتقن تعبئتها من يرى ليس بعينيه الناظرتين المستقرتين في رأسه, بل بعين بصيرته المدمجة في اللحظة المبتكرة بعيني رأسه..! الإطلالة على كل ما هو خارج عن هذه الرؤية، هي غور في تفاصيل شفيفة..، تهيئ للإنسان توسيع مدى داخله،.. واستقطاب ما لم يكن فيه, ومن ثم انتقاء ما يضيف..، وما يضفي إليه من خامات تجدده، وتكون مكونات حيوية لإمداده برؤى أوسع، وبتفاصيل أعمق.. العزلة المبتكرة مع النفس بما فيها، أو معها، ومع ما هو خارج عنها،.. لا يتعطل معها إلا الصوت المنطوق،...!! أما كل صوت آخر عداه، فهو ناقلٌ يتحرك في الإنسان، لا يتردد عن تقديم مراجعات معه.., وتبديل قناعات له.., وإضافة مستجدات إليه.., وتحريض كوامن فيه..، بحيث يمكن أن يرسم المرء في هذه العزلة لوحات أخرى للتي كانت تزخرف جدار داخله, بألوان قد تكون قاتمة فتشرق..، أو مشرقة فتعتم.., عن أحداث، أو أشخاص، أو في الكون المحيط به..., ذلك ما تقرره لحظة العزلة.., ومكانها..، ودوافعها..., في المواقف المختلفة التي ينهج إليها عزم المرء... وترغب فيها إرادته..! سبحانك ربي الذي خلقت الإنسان.. وسألته التبصر في نفسه.. شؤونها..، وخفاياها.. وتركيبها..!! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855