من حكمة الموت أنه حقٌ، وأنه قضاء، وأنه خاتمة يكون بعدها بدء حياة أبدية.. هذه الحقيقة مدعاة لتحفيز أشواق الهمة للعمل في النفوس.. لتكون النهاية حصادًا مرضيًا لله, ومن ثم يكون المأوى هو الجنة.. والثقة في هذه النهاية معقودة بالثقة في رحمة الله لمن يحرص على طاعته في هذه الفانية.. عبادة، وعملاً, وتطهرًا من الذنوب الكبرى.. وتلافيًا للأخرى ما استطاع.. من ضمن حقائق الموت أنه أجلٌ ليس بيد المخلوق تحديد موعده، وهو يأتي في غفلة غيب لا يخبر أحدًا متى سيزوره، فيأخذه عن أحبابه، وما زال هناك بين يديه من عمل، أو أمل... ومن حكمته أن الباكين اليوم منه، سيبُكى عليهم به.. وأنه مطمح المتقين العابدين، الراغبين في الله، المشوقين للقائه تعالى.. لكنه يثير في الخواطر القلق، ويحرك التوجس طمعًا في مزيد عمل، وخوفًا من سوء خاتمة... لكنه في البدء، والنهاية مغلف بسره، مكنون في غيبيته.. دائم في عمله.. يحصدنا في كل لحظة نستيقظ على نبأ زيارته لأعزاء فينا.. ولأخذه بعضًا منا نحبهم.. نعرفهم، نتعامل معهم، نسمع بهم.. حرماننا من رؤيتهم بيننا يتحركون ما عشنا بعدهم يزيدنا حزنًا.. ., يلهب فينا حسرة التمني، ومماطلة الأحلام.. يذكرنا كلما جاء بترف الآمال، وسطوة المغافلة.. ينبهنا أن مراكبه تبحر في مياه لحظاتنا, وثوانينا دون أن نراها.. وأننا في محطاته ننتظر دون أن نقرر.. وأن زوَّاداتنا لا تزال فارغة.. وأنه الحكيم الذي لا ينتظر حين يأتي.. والصادق الذي لا يتأخر عن موعده.. وأنه الوفي بآجال من يأخذهم، مسجلةً له في لوح محفوظ قضى الله أن يكون.. الموت لا يرأف بحلم السادرين.., ولا يتوانى عن قطع قافلة الأماني وهي تبحر في متاه الإنسان.. لكنه بكل حكمته, وحقائقه, وصدقه قاس على قلوب تحب، ونفوس تشتاق, وعيون لا دليل لها إلا رؤيتها، وخاطر لا يفرح إلا بوجود أحبته من حوله.. قاسٍ وهو يحصد الأخلاء, والأقرباء، والأصدقاء.. فلا يكون منا إلا الصبر, والاحتساب، والرضاء بقضاء الله فينا. فنواسي بعضنا، ونعزي بعضنا.. ولا حول لنا، ولا قوة على ألمه إلا بالله الجابر, القادر.. فكلنا بالموت إليه راجعون.. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855