ولأنه منجزٌ: «عباسيٌّ» اقتضتْ: (اللعبةُ) التأريخيةُ أن يكونَ فيها: «أبو نواس» قرينةً -وشاهداً للعصر وعليه- إذ من شأنِ هذه: «القرينة النواسيّة» أنْ تَسِمَ عصرَ بني العباس جلّهُ ب «الفساد»!، وتصمُه بالتالي ب:«محاربةِ الله تعالى»، بحسبانِ البيئة: «العباسيّة» التي وإن كان فيها منبِْتُ الأئمةِ -وفي كلّ فنٍّ- إلا أنها بمثل «أبي نواس» ستظلّ بيئةً ملتاثةً بالفجور والخنا، ومن البداهةِ -والحال هذه- أن يكونَ رجحان ميزان الحكم على العصر ظاهراً بحيثُ تميلُ كفتهُ لصالح أبي نواس (وبقية ربعه) في حين تطيشُ كفةُ «سفيان وابن حنبل وأشياخهما»!..، وينطمرُ خيرُهم في ركامِ عبثيات «أبي نواس»!.بعد كلّ هذا هل يمكننا القول: إنّ قدرَ «أبي نواس» أن يكونَ هو الرهانُ الذي اشتغل عليه مدوّنو التاريخِ في سبيلِ قذف حقبة: «بني العباس» كلّها في مزبلةِ التاريخ!، وبخاصةٍ إبان خلافة هارون وابنه فليتفطن لذلك. دعونا الآن نقرأ شيئاً مما لا يعرفه كثيرٌ من الناسِ عن أبي نواس: • قرأ القرآن على يعقوب الحضرمي فلما حذق القراءة رمى إليه يعقوب بخاتمه وقال: «اذهب فأنت أقرأ أهل البصرة»! • كتب الحديث عن أئمته من مثل: عبدالواحد بن زياد ويحيى بن سعيد القطان وأزهر السمان. • ثم أخذ عن أبي زيد الأنصاري شيخ سيبويه ونظر كثيراً في كتاب سيبويه حتى غدا مرجعاً في شأن تفكيكه. • قال ابن المعتز في طبقاته: «.. كان أبو نواس عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفتيا بصيراً بالاختلاف -اختلاف الفقهاء- صاحب حفظ ونظر ومعرفة بطرق الحديث يعرف ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وقد تأدَّب بالبصرة..» • قال الجاحظ: «ما رأيت أحداً كان أعلم باللغة من أبي نواس ولا أفصح لهجة مع حلاوة ومجانبة للاستكراه». ثمة دراسات عنيت بأبي نواس لعل من أهمها: «أبو نواس بين العبث والاغتراب والتمرد» (لمؤلفته الدكتورة أحلام الزعيم، أستاذة جامعية، إذ تناولت في كتابها شخصية النواسي الحقيقية حسب رأيها المستند إلى عشرات الكتب والمصادر الأمينة، حيث استهلكت هذه الدراسة الأكاديمية 325 صفحة من القطع الكبير. وتعترف المؤلفة الدكتورة أحلام بأن دراستها لا تهدف إلى إثبات أن أبا نواس كان قديساً أو درويشاً، فأبو نواس لم يكن كذلك بالفعل.. لكنه لم يكن كما تناهى إلى أذهان الناس إباحياً زنديقاً.. وأن كل الدراسات والمؤلفات عنه، لم تتقص الخلفية الفكرية والعرفانية والسياسية لهذا الشاعر.) بقية القول: إنّ في كلّ عصر: «أبا نواس» يُصْنَع وَفق معاييرٍ تلفقيّةٍ قد تُبْنى عليها: «مواقف شرعية» مع أن الغايةَ من كلِّ هذا قد تكمنُ في خلق حلْبةِ صراعٍ مِن أبرزِ ضحاياها: «الديني والأخلاقي والوطني»! سؤالٌ يتقاطر براءةً: عقب مائة عام من الآن: ماذا سيقول التاريخ عن عبدالله بن بخيت؟!