8 أنتِ نائيةٌ لا تأتين إلا كالطيف، وأنتِ قريبة لا تغادرين أبداً,,,، نبضُ الحنين الذي يستدرُّ الشوق في البعد وفي القرب، تكلِّلين كلَّ اللحظات بأكاليل الفرح,,, والحنين,,. أتدرين بأن الحنين لكِ ملحمة النبض مع البقاء؟,,, وأسطورة الروح مع الحياة؟ أنتِ تدرين بأن الشوق في شوقي إليكِ يتوالد، كما تدفُّق القطر من غيمة صيفية اندلقت إلى الأرض دون أن يكون لها كابح،,,, وهو يتجدد، ينمو، وحتى في حضوركِ لاشيء يصدُّه,,, فأنتِ في حضورٍ لا يغيب,,. أنتِ تعلمين أكثر مما أقول عن حضوركِ، لأنكِ من يكون، ولا يدري حضوركِ إلا أنتِ، وأنتِ أنا، ألم تقولي ذلك وكفى؟! هذه الأحرف الثلاثة )أنا( ما عرفتها إلا لأنني عرفتكِ,,. تذكرين جيداً أنكِ عرفتني قبل أن أتعرَّف إلى ذاتي، وعندما عرفتُها كنتِ هي، وكانت أنتِ,,, وتكونان، دوماً,,. ذهبتِ ذلك الصباح في طُلعتِهِ,,. كانت اللحظات الأولى في يومِهِ,,. بعد أن كنتُ إليكِ,,, هربتِ,, غادرتِ,,. أتدرين ما الذي حدث؟! جئتِني نبضةً يقظةً صكَّت ما بين قلبي وصدري,,,، شهقتُ، لكنني أدركتُ أنكِ ستقولين لي شيئاً,,. تذكرتُ الشواطئ، والسفن، وصغار العصافير، وأمس الذي كنتِ فيه، وتخيلتُ اليوم الذي سيدوم بكِ، والغد،,,. أرسلت لكِ وأنت غافية، بكلام مع الطيوف، مع بحة الهواء وهو يحتكُّ بورق الشجر، بحنينه وأنينه، بصوت البكاء في موالٍ حزين كنتِ تُحركين معه رأسكِ وأنت تتأوهين من ثِقل الحنين، أدري أنكِ تحبين أن تحلمي وعندما تشتهين الرَّحيل إلى الحلم,,,، ما كنتِ تضعين رأسكِ فوق الوسادة، وتسدلين الحرير فوق جسدكِ، وتغُطِّين في النوم انتظاراً له,,. الناس تنام لتحلم، وربما تقضي عمراً في النوم دون أن تفعل، فالأحلام لا تزور كل الناس، لكنكِ، كنتِ تحلمين في أية لحظة يباغتكِ الشوق،,,. وأعرفُ أنَّكِ في شوقٍ دائم,,. تذكرين ذلك العصفور، والقاع الذي كنتِ ترسلين إليه معه ورقة الورد فيحملها إليه وقد زُخرفت ببذور شجرتها،,,, وتجلسين إلى جوار ذلك القاع ترسلين إليه بآهاتكِ وشجنكِ، وبقية أحلامك، حتى إذا ما تجاوب في داخله مع أصدائكِ، خرجت من جوفه ثمار الشوق، والحب، والحنين، فيأتي المارون كي يتفيؤوها,,. قلت لكِ إنك الفيء، وأنتِ الدفء، وبكِ تنمو الأحلام,,. أدركتُ منذ البدء أنكِ سرُّ السِّر في نبوءةِ الحلم، وأنكِ من يغزله شيئاً فشيئاً فهو ليس من مادة، وليس من نفس، وليس من روح، وليس من خيال، إنه بكل المقاييس,,, أنتِ,,. فأين أنتِ؟ سأقول لكِ: أنت هناك، وأنتِ هنا، أنتِ على جناحي عصفور غمس منقاره في بحركِ ثم اعتلى، وأنتِ ضمن موجة قطرَتها السماء بكل مداها وهوائها وضوئها فذهبتِ تمنحين البحور المدى والهواء والضوء، وأنتِ الصوت لكل ذي صوت، فأنتِ بحَّة الشجن، وهمسة الصدق، وكلمة الضوء، يا نور الغياب والحضور، أفلا تأتين مع شهقة الصباح، ولا تذهبين مع سكون الليل؟ وتطرزين الحرف فالحرف بمغزلكِ؟ أنتِ فعلاً تفعلين,,. فأنت السرُّ في السرِّ كالبذرة في التربة، كيفاعة الشموخ لتطاول النخلة في السماء، فانثري الثمرات كي تنمو الحياة.